إغلاق «باستيل» أميركا

TT

يتساءل البعض اليوم: هل عودة بعض المعتقلين السابقين إلى صفوف القاعدة من شأنها أن تضفي تعقيدات محتملة على تنفيذ المرسوم الذي وقعه الرئيس الأميركي الجديد باراك أوباما لإقفال معتقل غوانتانامو خلال عام؟ وفي مواجهة السؤال يمكن القول بأنه مهما كان حجم التعقيدات المحتملة، فإن بقاء المعتقل من شأنه أن ينسف كل صورة إنسانية يريد أوباما أن يلوح بها لعيون العالم، لا بل إن أوباما يمكن أن يجعل من تاريخ إغلاق المعتقل يوما وطنيا لاستعادة أميركا لقيمها ومثلها ومبادئها المتصلة بحقوق الإنسان، كما يفعل الفرنسيون في ذكرى سقوط سجن «الباستيل».

فالتسجيل الذي بثته قناة العربية قبل أيام، وظهر فيه سجينان سعوديان سابقان في معتقل غوانتانامو هما: سعيد الشهري، ومحمد العوفي، وقد عادا بعد إطلاق سراحهما إلى صفوف القاعدة من جديد، وما تردده وزارة الدفاع الأميركية بأن 61 معتقلا سابقا في سجن خليج غونتاناموا بكوبا، عادوا فيما يبدو إلى القتال مع المتشددين منذ الإفراج عنهم، يؤكد أن معتقل غوانتانامو ـ الذي نأى طويلا عن عيون العدالة - لم يجلب سوى المزيد من الكراهية لأميركا بين المعتقلين وأنصارهم بدلا من بث الإحساس بالندم، لأن المعتقلين شهدوا فيه أبشع ألوان التعذيب، والإذلال، والقهر، ولذا ستظل هذه الجروح الغائرة تذكر المعتقلين طويلا بالمهانة، وغياب الحقوق، والوحشية، التي تعرضوا لها في ذلك المعتقل.

إن إغلاق هذا المعتقل، والاحتفال بإغلاقه من شأنهما التأثير إيجابا على نفسيات المعتقلين السابقين، ورد شيء من الاعتبار المعنوي، الذي يمكن أن يخفف من شعور الكراهية، والإحساس بالظلم الذي تعرضوا له، ففي غياب المحاكمات العادلة، والتحقيقات القانونية لا يمكن اعتبار كل المعتقلين مذنبين، ولا جميعهم أبرياء بطبيعة الحال، ففي ظل القسوة التي شهدها المعتقل اختلط الحابل بالنابل، والمقاتل بالإعلامي بمتطوعي أعمال الإغاثة.

ويبقى السؤال: لماذا لم يتمكن برنامج المناصحة الذي تطبقه السعودية من إقناع معتقل سابق كسعيد الشهري، أو محمد العوفي بعدم العودة من جديد إلى صفوف القاعدة؟ وإن كنت لا أدري على وجه الدقة بالمنهجية التي تطبق في هذا البرنامج، ولا بالأساليب النفسية المستخدمة، إلا أن من الموضوعية القول بأن ليس ثمة برنامج في الدنيا يمتلك مختلف عناصر التأثير الكاملة والشاملة على الجميع، وكل برامج التوعية والتأثير لا تشكل سوى محاولة علمية جادة لتبصير الأشخاص بالأفكار والتوجهات المتفق على صحتها وسلامتها، وتبقى الفروقات الفردية بعد ذلك بين المتلقين تتحكم في مدى استجاباتهم.

وفي تقديري أن إغلاق معتقل غوانتانامو، هو أفضل ما يمكن أن تفعله أميركا لنزع فتيل الثأر، وتحقيق شيء من القبول في دواخل من جربوا ويلات ذلك المعتقل، وعاشوا معاناته.

[email protected]