أغلق غوانتانامو ولم ينتبه أحد

TT

ربما ظن باراك اوباما أنه عندما وقع قرار إغلاق سجن غوانتانامو، سيستقبل بالمظاهرات التي ترحب بمبادرته الشجاعة، وتحييه على رسالته للعالم، وللعرب تحديداً. فإغلاق سجن، كل من فيه هم مسلمون، يبدو رسالة بأنه يبدأ حكمه بخطوة ايجابية تجاههم، وجعل الإغلاق من قرارات اليوم الاول في تاريخه كرئيس للولايات المتحدة. الخطوة استقبلت عربياً بكثير من البرود واللامبالاة.

غوانتانامو صار من التاريخ، أما القضايا المقبلة، فهي مستقبل العالم، وهي أيضاً أكثر خطورة من بضعة مساجين في جزيرة نائية، فالولايات المتحدة وسط صراع لن يتوقف فقط لأن رئيساً رحل وآخر حل محله. والشرق الأوسط منطقة استراتيجية لا يمكن الانسحابُ منها مهما وعد باراك مواطنيه. لقد بدأ اوباما هذا الاسبوع يستطعم تفاصيل حكم العراق الذي يشارك فيه الاميركيون من خلف الستار. وها هو مستشار الامن العراقي يبشر جهاراً بمنظومة امنية مع ايران، وسط استغراب الجميع. اتفاق امني على حساب من؟ وكيف؟ فـ«القاعدة» متمركزة في ايران وهي التي لا تزال موجودة في العراق، فيكف يتخلص النظام العراقي من المعارضة الايرانية المجمدة نشاطاتها منذ خمس سنوات بدون ان تتعهد طهران بالتخلص من «القاعدة» النشطة والجماعات المتطرفة الشيعية التي تستهدف العراقيين. هل سيسكت اوباما عن تسليم العراق الى الايرانيين هكذا دون اعتبار لمصالح العراق نفسه، او أمن المنطقة؟

لن يدوم عرس البيت الابيض طويلا قبل ان يضطر اوباما الى التعامل مع النزاع الأخطر حول نشاط ايران في تخصيب اليورانيوم وبناء سلاحها النووي، هل سيسكت عنه؟ وهذا امر مستبعد تماماً. وإن لم يوافق كيف سيمنعه سلماً او حربا؟

إغلاق سجن اخذ من اوباما ساعة من نهار ولا يمكن ان يقارن بمواجهة المشكلة الأكبر بين اسرائيل والعرب. أوباما على الأقل طمأن المنطقة بأنها اولويته رغم خطورة الازمة المالية الاميركية، وسارع مبكراً بتكليف مبعوث رئاسي. مع هذا، فان الاهتمام الدبلوماسي المقبل لن يعالج الاشتباك السياسي كما هو الحال في غزة.

ماذا عن محاكمات دارفور؟ هل الرئيس الاميركي الجديد مستعد لأن يمضي الطريق كله لملاحقة الرئيس السوداني المتهم بجرائم الحرب حتى لو كلف ذلك حرق العاصمة الخرطوم؟ فليس من المستغرب ان يتحصن الرئيس عمر البشير بالمدنيين ويهدد بحرق الخرطوم على ان يسلم نفسه، كما ضحت حماس وضحى حزب الله وضحى صدام، من قبل، بالمدنيين العزل.

قرار إغلاق سجن غوانتانامو كان عملا جيدا من الرئيس الجديد لأن السجن في أصله كان التفافا على النظام واكثر الاعمال اساءة للسمعة الاميركية في تاريخها الحديث، كون السجن مكملا لسجن ابو غريب. لكن غوانتانامو مسألة سهلة، وإن كانت رمزيتها كبيرة سياسياً وتاريخياً.

وبعد ان اغلق السجن، وبدأ ترحيل المساجين كيف سيتعامل مع القضايا الخطيرة، حيث توجد قوى متوحشة طليقة في المنطقة تنتظر خطواته الأولى للانقضاض عليه.

[email protected]