العالم والمنطقة ولبنان بعد خطاب أوباما

TT

ينبئنا التاريخ الأميركي أنه، ومع كل رئيس، هناك أزمة دولية في أول ستة أشهر من حكمه. كذلك، يختلف عادة الخطاب الانتخابي عن الخطاب في الحكم الفعلي.

منذ كينيدي، وحتى الآن، كانت أزمات الرئيس السابق تفرض نفسها على الرئيس الجديد لتغير كل أولوياته، والأمثلة كثيرة ومتعددة في هذا المجال.

لا يختلف أوباما عن غيره، وبالتحديد عن بوش الابن، إلا في أنه رئيس ديمقراطي، وأسمر. فهو ورث عن بوش حربين، ومعضلة اقتصادية وغيرها وغيرها من المشكلات.

وإذا سلمنا جدلا أن أوباما قرر اليوم الخروج من العراق، فهذا القرار يستلزم على الأقل لإتمامه ما يقارب السنة. وإذا أراد حلا في أفغانستان، فهذا أمر يتطلب أيضا أكثر من سنة، مع عدم ضمان النجاح هناك.

باختصار، سوف تكون السنتان الأولى والثانية لأوباما، أو أكثر، مأخوذتين كليا في مواضيع حربية، الأمر الذي سيسمح للمنافسين - خاصة روسيا - بإعادة ترتيب أوضاعها على مساحة النظام العالمي.

لقد اعترف أوباما أن العالم تغير وعلى أميركا أن تتغير.

ولكن كيف تغير العالم؟

لقد تغير العالم حتى منذ بدء الحملة الانتخابية الأميركية، ففي بدايتها كان العالم شيئا، واليوم، ومع وصول أوباما، أصبح شيئا آخر. وإذا كان أوباما يعد، فعليه إن يفي.

حتى الآن، لم تصدر وثيقة رسمية عن الإدارة الجديدة، عدا خطاب القسم، الذي يكون عادة شاملا وعاما، كي نعرف فعلا ما الاستراتيجية الأميركية الكبرى للعالم وللأقاليم. وهذا أمر قد يأتي مع ما يسمى «استراتيجية الأمن القومي» National Security Strategy. لكنه يمكننا استشراف الكثير من الأمور من خطاب القسم.

لكن الأكيد، أن أي استراتيجية مستقبلية سوف تعمد إلى ربط الأهداف بالوسائل – هذا هو تعريف الاستراتيجية - فماذا عن خطاب القسم؟

إن الأهداف التي تحدث عنها أوباما، يجب أن تتوافر لها الوسائل. وهنا ستكون المشكلة الكبرى للرئيس الجديد.

وقد ظهر في الخطاب ترتيب الأهميات والأولويات بالنسبة إلى الرئيس. وتتضمن هذه الأولويات:

- الأزمة المالية

- الانسحاب من العراق – تسريع الانسحاب- لترتيب الوضع في أفغانستان

- الإرهاب، والانفتاح على العالم الإسلامي، لم يذكر الشرق الأوسط وقضيته الأهم.

- لم يذكر الرئيس روسيا بالاسم، لكن كل التحليلات الاستراتيجية تقول إن أصعب مشكلة ستواجهه ستكون روسيا، وبالتالي موقف الحلفاء الأوروبيين منها ومن أميركا.

سنحاول هنا تحليل كل مسألة على حدة، للوصول إلى واقع المنطقة، وبالتالي لبنان. فماذا عنها؟

في ملف العراق وقعت واشنطن الاتفاق الأمني مع العراق. وقد وافقت إيران عليه ضمنا، لأنه يعجل بالانسحاب الأميركي العسكري من العراق، الأمر الذي سيجعل العراق تقريبا تحت الهيمنة الإيرانية من دون منازع.

وذكر الرئيس في خطابه أنه سيسرع الانسحاب من العراق. لذلك، سوف تعمد إيران إلى خفض مستوى العنف في العراق إلى حده الأدنى، كي تساعد هي على الانسحاب الأميركي.

وفي ملف أوروبا، يمكن القول إن القارة القديمة تبدلت كما العالم، وبدل أن تخاف من الدب الروسي أيام الحرب الباردة، هي اليوم تحت رحمة روسيا في ما يخص الطاقة (الغاز الطبيعي). إذا يكفي لشركة غازبروم الروسية قطع الإمدادات حتى تتجمد كل أوروبا. والواقع أن هذه لم تعد تجاه أميركا كما كانت عليه خلال الحرب الباردة، خاصة بعد زوال هاجس الحرب النووية مع الدب الروسي. إذا أوروبا اليوم هي أقل حاجة إلى أميركا مما كانت عليه. وبذلك، قد لا تجاري المشاريع الأميركية، خاصة في قوات الناتو في أفغانستان. وهذا أمر قد يتعارض مع خطاب أوباما حول بناء التحالفات.

في آسيا، وبسبب الوضع الهش في باكستان، أصبح الأمر صعبا على أميركا لإيصال اللوجستية اللازمة لقوات الناتو في أفغانستان. وهي حاليا أي أميركا، تفتش عن طرق بديلة، إن كان عبر بحر قزوين، أو عبر تركيا.

لكن هذه البدائل، تقع كلها تحت الإرادة الروسية. فهل ستعطي أميركا روسيا ما تريد؟ هل ستتخلى لها عن مناطق نفوذها التاريخية – آسيا الوسطى، جورجيا، أوكرانيا؟

وكي تتعقد الأمور أكثر، وقعت عملية مومباي في الهند، الأمر الذي جعل باكستان تهتم بالتهديد الهندي بدل ضرب طالبان كما تريد أميركا.

والمؤكد أن مشكلة أفغانستان تندرج في أنها خطر داهم، إذ لا يمكن ترك الجنود من دون تموين، وهي ستشكل مركز ثقل اهتمام الإدارة الجديدة لفترة طويلة. أما البديل الصعب لأوباما، فهو تموين القوى عبر الأرض الإيرانية، وهذا أمر يتطلب وقتا ودبلوماسية معقدة.

إذا، ستكون اللعبة الجيوبوليتيكية المقبلة في آسيا الوسطى، وجنوب آسيا، وفي الشرق الأقصى، هذا عدا عن السهل الأوراسي – روسيا، الصين. أما العالم العربي، وبالتحديد منطقة الخليج، فهي ستشكل المنطقة الخلفية للعبة المذكورة أعلاه. فكيف سيكون وضع العرب ولبنان؟

وبالنسبة إلى منطقة الشرق الأوسط ككل، فهي ستكون من آخر أولويات أوباما، إذ لم يتورط فيها رئيس قبله إلا أتت له بالمشكلات. حتى ولو عين مبعوثا للمنطقة، فقد يعتبر هذا الأمر من ضمن إدارة الأزمة.

سوف يعمد أوباما إلى «أقلمة» حل المشاكل. بكلام آخر، سوف تكلف الدول الإقليمية بتبني حل مشكلات المنطقة، وعلى رأس هذه الدول: مصر، تركيا، والمملكة العربية السعودية. فعلى سبيل المثال سيكون حل غزة مصريا، أما حل الصراع بين سورية وإسرائيل فسيكون تركيا.

أما في ما يخص إيران، وإذا لم تأخذ ما تريد من أميركا في الخليج، فسوف تكون لاعبا أساسيا للمشاركة في الحلول الإقليمية أو الخربطة عليها.

وإذا انسحبت أميركا من العراق، وشعر العرب أنهم خسروه لحساب إيران، فسيسعون للتعويض في غزة، وخاصة في لبنان.

لكن لبنان سيبقى مركز ثقل لسورية، لأنها من دونه ستكون دولة عادية، بينما معه ستكون لاعبا مهما في المنطقة، كما سيكون لديها ما تقدمه على المسار الإسرائيلي. فهل سيكون هناك سباق إيراني - سوري على لبنان؟ وكيف سيكون شكله؟

من هنا، تأتي أهمية الانتخابات النيابية المقبلة في لبنان، والتي ستكون حيوية للكل، ومن هنا التنافس الحاد، الذي قد يأخذ منحى عنفيا.

* عميد متقاعد في الجيش اللبناني وباحث أكاديمي