حرب ضد التلميذات في باكستان

TT

أحمل بداخلي ذكريات طفولة رائعة عن العطلات الصيفية التي كنت أقضيها في وادي سوات داخل الإقليم الحدودي الواقع شمال غرب باكستان، وهي منطقة تشتهر بين الباكستانيين بطبيعتها الخلابة وطقسها الرائع في الصيف وبساتين الفاكهة المزدهرة. لكن في الوقت الحاضر يتعرض وادي سوات لضغوط هائلة، مع شن طالبان هجمات بصورة منتظمة تثير القلق، وفرضها حظراً على تعليم الفتيات.

وحتى قبل إعلان هذا الحظر في 15 يناير (كانون الثاني)، تم إغلاق أكثر من 100 مدرسة للفتيات في سوات، إضافة إلى ما يزيد على 150 مدرسة أخرى داخل المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الفيدرالية بوجه عام. وجاء إغلاق الكثير من هذه المدارس في أعقاب تعرضها لتفجيرات أو إضرام النيران بها. وأذاعت المحطات الإذاعية بيانات تحذر الفتيات من تعرضهن لهجمات باستخدام مواد كيماوية حارقة حال تجرؤهن على الذهاب إلى المدارس، بينما تعرض المدرسون للتهديد والقتل. وفي الاثنين الماضي، تعرضت خمس مدارس أخرى في سوات لتفجيرات.

ولم تقتصر الهجمات على مدارس الفتيات، وإنما صدرت أوامر للفتيات والنساء بارتداء حجاب كامل. وصدرت توجيهات تطالب النساء بعدم التواجد في الأماكن العامة بدون رفقة أحد الأقارب من الذكور، وتحظر حمل النساء بطاقات الهوية الحكومية الإجبارية التي تعرض صورهن. وقُتلت حوالي اثنتي عشرة امرأة جراء تعرضهن لإطلاق نار بسبب «نشاطات منافية للأخلاق»، بينهن باخت زيبا، 45 عاماً، المشاركة بحقل العمل الاجتماعي والتي التزمت بتعزيز قضية تعليم الفتيات. ويبدو الأمر كما لو أن المنطقة دخلت في منافسة مع أفغانستان حول أيهما يحقق السجل الأسوأ على صعيد حقوق المرأة.

وجاءت استجابة كلتا الحكومتين الباكستانية والأفغانية متشابهة تجاه ميل طالبان لإرهاب السكان. على سبيل المثال، منذ بضعة شهور، سعت الحكومة الأفغانية للدخول في مفاوضات مع طالبان، وهي مفاوضات يتمثل هدفها الرئيس المسبق في تطبيق الشريعة. وفي الوقت الذي لم تحرز هذه المحادثات تقدماً، يبدو أن باكستان على وشك قبول تطبيق الشريعة في المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الفيدرالية. وتشير التقارير المتوافرة بهذا الشأن إلى أن ما يزيد على 70 محكمة تابعة لطالبان تعمل حالياً بالفعل داخل وادي سوات، ما يعد بمثابة خطوة أولى باتجاه تطبيق تفسير طالبان للشريعة. ويكشف انفتاح الحكومة على فكرة التفاوض حول هذه القضية أنها لا تعبأ بما تعنيه هذه الخطوة للمرأة الباكستانية.

على الجانب الآخر، لا تزال حياة النساء والفتيات الأفغانيات عرضة للخطر، فلا تزال الهجمات مستمرة ضد تلميذات المدارس، بينما تتعرض النساء اللائي يتقلدن مناصب عامة للتهديد أو القتل. مثلاً، اضطرت مالالاي جويا، الزعيمة السياسية التي تم تجميد عضويتها في البرلمان ظلماً، للاختباء لما تعرضت له من تهديدات بالقتل. ومنذ بضعة أشهر فقط، لقيت مالالاي كاكار، أكبر ضابطة شرطة في أفغانستان من حيث الرتبة، حتفها جراء إطلاق النار عليها. ولا يجب السماح بتحول باكستان إلى أفغانستان أخرى.

وتتطلب الكارثة التي تتكشف فصولها داخل باكستان تدخلا فورياً من قبل كل من الحكومة الباكستانية والمجتمع الدولي. ويجب أن تقبل باكستان مسؤوليتها عن ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لحماية حقوق المرأة وكبح جماح عملية إضفاء الصبغة المميزة لطالبان على البلاد. ويجب أن يقوم أي تدخل على أساس الوفاء بالتزامات باكستان المنصوص عليها في دستورها والمواثيق الدولية التي صدقت عليها. ويجب أن تعمل مختلف أذرع الحكومة - من سلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية - بصورة متناغمة لتناول هذه القضية على نحو شامل.

يذكر أن الحكومة الباكستانية أعلنت الأسبوع الماضي إعادة فتح المدارس بالمناطق الشمالية في مارس (آذار)، بعد العطلة التي تحصل عليها المدارس في الشتاء. لكن بالنظر إلى السيطرة الفعلية التي تفرضها طالبان على مناطق شاسعة، من الواضح أن هذا الأمر سيصعب تحقيقه. وفي 20 يناير (كانون الثاني) - يوم تنصيب الرئيس الأميركي الجديد - صوّت البرلمان بالإجماع مندداً بـ ورافضاً لقرار طالبان بإغلاق المدارس في 15 يناير (كانون الثاني). والآن، ينبغي أن تعلن الحكومة على الفور التزامها بتنفيذ خطة لضمان حماية حقوق الفتيات في التعليم، إلى جانب حمايتهن ليس فقط داخل المدارس، وإنما خارجها أيضاً.

من جهته، وضع الرئيس أوباما باكستان في خط المواجهة في الحرب ضد الإرهاب. ومن المتوقع أن يشهد العام الحالي عودة مشروع قانون كيري - لوغار داخل مجلس الشيوخ الداعي لزيادة المساعدات غير العسكرية لباكستان بمقدار ثلاثة أضعاف، لتصل إلى 1.5 مليار دولار على مدار خمس سنوات. ويأتي هذا التطور المنتظر لما يحظى به مشروع القانون من تأييد من قبل إدارة أوباما. ومن أجل تجنب أخطاء إدارة بوش، ينبغي توافر قدر أكبر من المساءلة حيال كيفية استغلال هذه الأموال، بل وينبغي جعل تقديم هذه الأموال مشروطاً باتخاذ الحكومة الباكستانية خطوات نشطة للتصدي لجهود إضفاء صبغة طالبان على البلاد، وخاصة تعزيز وحماية حقوق الفتيات والنساء. في الواقع إن تداعيات عدم اتخاذ إجراءات عملية على هذا الصعيد، أو اتخاذ إجراءات غير مناسبة، قد تكون كارثية.

* محامية باكستانية ونائبة مدير شؤون البرامج داخل «المساواة الآن».. وهي منظمة دولية تُعنى بحقوق المرأة مقرها نيويورك

* خدمة «واشنطن بوست»خاص بـ«الشرق الأوسط»