في انتظار ميتشل

TT

هناك قول منسوب إلى السيناتور جورج ميتشل المبعوث الجديد الذي عينته إدارة الرئيس الأميركي الجديد باراك أوباما لمنطقة الشرق الأوسط، وهو أنه لا توجد مشكلة مهما كانت درجة تعقيدها لا يوجد لها حل، وهو في هذا يستند إلى خبرته في حل واحدة من أعقد المشاكل، وهي أيرلندا الشمالية التي عصفت بها أحداث العنف الدامية بين الاتحاديين والجمهوريين (البروتسانت والكاثوليك لعقود طويلة، تركت انقساما في المجتمع وكراهية إلى آخره).

وفي الوقت الذي كان فيه ميتشل يحقق نجاحا في انتزاع اتفاق من الأطراف المتصارعة في أيرلندا الشمالية، ظهرت مقارنات بينها وبين القضية الفلسطينية أو الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي من زاوية أن الحالتين فيهما بعض أوجه التشابه من حيث درجة التعقيد. ورغم أن ميتشل ليس بعيدا عن مشكلة الشرق الأوسط إلا أن الرصيد الأساسي له والذي بعث موجة تفاؤل بتعيينه مبعوثا لمنطقة الشرق الأوسط هو نجاحه في مشكلة بهذا التعقيد في أيرلندا الشمالية، فهل يستطيع أن يفعلها مرة أخرى في المنطقة؟

بداية فإن الوسيط مهما كانت قدراته ليس حاويا، ومهاراته في الدبلوماسية وفي الإقناع، لابد أنها في النهاية ستعتمد على مدى استعداد أطراف النزاع للقبول بتسويات وحلول. وتجربة السلام في أيرلندا الشمالية توفر لها مناخ مساعد، فمن ناحية كانت هناك المظلة الأوروبية التي حققت استقرارا وتقدما كبيرين في الاندماج والتعامل المشترك بعد الحرب العالمية الثانية، وأوجدت أجيالا مزاجها لا يتسق مع هذا الشكل من أشكال الصراعات، وكانت هناك أيضا رغبة مشتركة وتنسيقا بين لندن ودبلن، وفوق كل ذلك كان هناك الاهتمام الأميركي بالمساعدة على الحل، ويدفع في اتجاه ذلك اللوبي الأيرلندي المؤثر في السياسة الداخلية الأميركية.

وفي الحالة الفلسطينية تبدو المسألة أكثر تعقيدا من جهة، وتزداد تعقيدا كل يوم مع تطورات جديدة تحصل على الأرض وتصب المزيد من الزيت على النار مثل المعركة الأخيرة في غزة. فليس هناك إقليميا شيء مشابه للوضع الأوروبي في حالة أيرلندا الشمالية، لأنه كما ظهر أخيرا، هناك درجة تباين إقليمية واسعة واستخدام للورقة الفلسطينية في صراعات أخرى، كما أن الانقسام الفلسطيني بين سلطة حماس في غزة، والسلطة الفلسطينية الرسمية في الضفة الغربية، تجعل مسألة إيجاد الطرف المحاور صعوبة جديدة تضاف إلى المشاكل القائمة أصلا. وعلى الجانب الآخر، فإن مسألة المستوطنات الإسرائيلية التي ما زالت تتوسع تؤجج نيران الصراع بشكل أكبر إضافة إلى الأشكال الأخرى السيئة، مثل الجدار العازل ونقاط التفتيش والممارسات اليومية للاحتلال.

مع ذلك فإن الصورة ليست بهذا السوء إذا كان هناك جهد دولي منسق وانخراط أميركي أكبر في عملية السلام، فرغم كل شيء هناك رغبة إقليمية شاملة في الوصول إلى سلام حقيقي، يتمثل في المبادرة العربية للسلام المقررة من كل أعضاء الجامعة العربية، وحتى الأطراف التي تبدو وكأنها تدفع في اتجاه المواجهة، فإنها في حقيقة الأمر تستخدم آخرين لخوض حروب بالوكالة، لكنها لا تريد الانزلاق بنفسها في مواجهة مباشرة، وهي في الهدف النهائي تريد تحسين أوراقها من أجل التفاوض على ما يخصها، وينطبق ذلك على سورية التي لعبت تركيا دور الوسيط بينها وبين إسرائيل في الشهور الأخيرة، أو حتى إيران التي تخوض صراعا من نوع آخر يتعلق بملفها النووي ورغبتها في الحصول على اعتراف دولي بدور إقليمي أكبر وضمانات أمنية لنظامها.

وهي كلها أمور يمكن التفاوض حولها والوصول إلى صفقات بشأنها، بما يحقق إبعاد التأثير الخارجي عن أصل المشكلة، وبما يجعل البحث في حلول ممكنة وعادلة في نفس الوقت أكثر يسرا. ولا أحد يتوقع نتائج سريعة، فجولة ميتشل الأولى ستكون استطلاعية واستكشاف لمواقع الأرجل والمواقف الحقيقية، أما مسألة التفاوض على حلول طويلة الأمد فستأخذ وقتا، لكن المهم البدء فيها لإعطاء أمل إلى الناس، أما تحقيق اختراق، فهذا يتوقف على جدية كل الأطراف إقليميا ودوليا وأميركيا في المساعدة على ذلك.