لن يجدي سوى حافز جريء

TT

عندما ألقى فرانكلين ديلانو روزفلت، حاكم نيويورك، خطاباً أمام جامعة أوغلثورب في مايو (أيار) عام 1932، كانت الأزمة الاقتصادية التي ضربت الولايات المتحدة قبل هذا التاريخ بثلاث سنوات قد تفاقمت وتحولت بالفعل إلى ما بات يعرف باسم «الكساد الكبير»، حيث فقد واحد من بين كل أربعة أميركيين عمله، وانهارت المصارف بمعدل إفلاس 10 مصارف كل أسبوع، ووصل إجمالي الناتج المحلي إلى نصف المستوى الذي كان عليه قبل الأزمة.

من جهته، دعا فرانلكين ديلانو روزفلت الحكومة الفيدرالية إلى «إصلاح العيوب القائمة في النظام الاقتصادي باستخدام إجراءات قاسية إذا لزم الأمر». وأكد على أن الظروف التي تمر بها البلاد تدعو «لخوض تجارب جريئة ومتواصلة».

بالنظر إلى الأرقام والإحصاءات، نجد أن الأزمة الاقتصادية الراهنة، لحسن الحظ، ليست بنفس حدة «الكساد الكبير». بيد أن ذلك لا يخفف من وطأة الوضع الحالي بالنسبة لملايين الأميركيين الذين فقدوا وظائفهم ومنازلهم والرعاية الصحية التي تمتعوا بها ومدخرات تقاعدهم. في واقع الأمر، إننا نمر بأكثر الفترات صعوبة منذ ثلاثينات القرن الماضي. من ناحيتهم، يتوقع الأفراد أن تتخذ الحكومة خطوات جريئة نحو مجابهة هذه الأزمة.

وقد تناولت باستفاضة الأزمة الاقتصادية الحالية مع عدد من الحكام الآخرين، منهم ديفال باتريك (ماساتشوسيتس)، وديفيد بيترسون (نيويورك)، وجيم دويل (ويسكونسن)، وجينيفر غرانهولم (ميتشغان)، وتيد ستريكلاند (أوهايو). واتفقنا جميعاً على أن ولاياتنا ـ رغم التنوع الشديد بينها ـ تتسم بتشابه احتياجاتها ومشكلاتها والتي ينبغي تناولها من خلال حزمة الإنقاذ الاقتصادي التي تجري صياغتها داخل واشنطن. ويمكن تحقيق ذلك على النحو الأمثل إذا وضع الكونغرس والإدارة الجديدة نصب أعينهم المبادئ التالية:

أولاً: يجب أن تعمل الولايات والحكومات المحلية والحكومة الفيدرالية جميعاً كشركاء بصورة كاملة في عملية دفع الاقتصاد لاستعادة عافيته. من خلال عملها مع المقاطعات والمجالس البلدية، تملك الولايات الآليات اللازمة لضخ أموال التحفيز الاقتصادي في شرايين الاقتصاد بشكل سريع ويتميز بالمسؤولية. إلا أننا في الولايات لا نملك القدرة المالية أو سلطة الاقتراض التي تحظى بها الحكومة الفيدرالية. وعلى أي جهود ترمي لاستعادة الاقتصاد قوته أن تعكس نقاط قوتنا المشتركة.

ثانياً: ينبغي أن تكون الحزمة المالية ضخمة. تشير بعض التقديرات إلى أن الولايات المتحدة ستتكبد العام القادم خسائر مقدارها 700 مليار دولار، أو حوالي 4 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، جراء الأزمة الاقتصادية. وعليه، فإنه من أجل التغلب على ذلك، فإن القيمة التراكمية لخطة التحفيز الاقتصادي ينبغي أن تكون تريليون دولار على امتداد عامين. ورغم ضخامة المبلغ، فإنه حال إنفاقه على نحو فاعل، فإنه سيشكل استثمارا مهما في الموارد المادية والبشرية لبلادنا ستأتي ثماره على المدى البعيد، في الوقت الذي سيجري فيه خلق والحفاظ على فرص عمل.

وينبغي تقسيم أموال الحافز الاقتصادي إلى خمس فئات: البنية التحتية، برامج غير دورية، الإسكان، المنح التعليمية وخفض الضرائب بالنسبة للطبقة الوسطى.

في الواقع، مقابل كل مليار دولار ننفقه على البنية التحتية، يمكننا إعادة 20 ألف شخص إلى ساحة العمل. فمن ناحية، تعلمنا دروساً قاسية بشأن الحاجة لتحديث الجسور والسدود ببلادنا، ومن ناحية أخرى، يتعين علينا التفكير بصورة أوسع حيال مفهوم البنية التحتية، بمعنى كم عدد الساعات التي يهدرها الأفراد في الحركة داخل المطارات بسبب أنظمة السيطرة على الملاحة الجوية التي عفّى عليها الزمن؟ يجب علينا الالتزام بتحسين نظام النقل وشبكات الطاقة وتقنية شبكة الانترنت والموانئ والإسكان العام والمنشآت التعليمية.

علاوة على ذلك، فإنه في حال عدم تقديم العون إلى الولايات كي تعزز من شبكات الأمن الاجتماعي لديها، لن يكون للجهود الفيدرالية على صعيد التحفيز الاقتصادي أدنى أثر ملموس. يذكر أن معظم الولايات مطالبة دستورياً بتحقيق توازن في ميزانياتها. وبالنظر إلى التراجع الحاد في عائدات الولايات، لن نتمكن من الإبقاء على ـ ناهيك من زيادة ـ الإنفاق من أجل تلبية المطالب المتنامية المرتبطة بالاحتياجات الأساسية، مثل التأمينات الخاصة بالبطالة وبرامج المساعدات الغذائية والرعاية الصحية ـ بما في ذلك خدمات الصحة الذهنية لذوي الاحتياجات الخاصة.

على مدار عامين، ينبغي أن تعزز الحكومة الفيدرالية إنفاقها غير الدوري بمقدار 250 مليارا على الأقل. ويمكنها تحقيق ذلك من خلال زيادة النسب الخاصة بالمساعدات الطبية الفيدرالية، والنصيب الفيدرالي من تكاليف المساعدات الطبية والبرامج الأخرى المعنية بالرعاية الصحية، مثل دفع أموال للمستشفيات مقابل علاج الأشخاص غير المؤمن عليهم، والإسهام في نفقات المساعدات المؤقتة للأسر الفقيرة ورعاية الأطفال.

يذكر أن الكثير من صناديق رعاية العاطلين الخاصة بالولايات تواجه بالفعل استنزافاً لمواردها. ومن المحتمل أن تتسبب معدلات البطالة المتصاعدة وتراجع العائدات على مدار الشهور القليلة القادمة في إقرار زيادات كبيرة في الضرائب خلال عام 2009. ومن الممكن التخفيف بصورة جزئية من هذه الأضرار من خلال مضاعفة التمويل الفيدرالي المقترح لصناديق رعاية العاطلين في ظل قانون تحديث تأمينات البطالة، ما سيوفر حافزاً لمساعدة العمال المنخفضي الأجور والعاملين لجزء من الوقت الأكثر عرضة للأخطار.

وإذا لم نتناول السبب وراء التراجع الاقتصادي ـ وهو انهيار سوق الإسكان ـ فسوف تبقى حالة التردي التي يعانيها اقتصادنا. وينبغي أن تتضمن الحزمة المالية الفيدرالية الرامية لتنشيط الاقتصاد تمويل السلطات المعنية بالرهن العقاري داخل الولايات والبرامج التي تساعد الأفراد على إعادة هيكلة الرهون العقارية الخاصة بهم والاحتفاظ بمنازلهم والعثور على ملاذ جديد حال طردهم منها.

وإذا ما شرعنا في جهود الإغاثة وتحفيز النشاط الاقتصادي، فمن الضروري أن نستمر في تنمية قوة عمل قادرة على تلبية مطالب اقتصاد القرن الحادي والعشرين. ومن شأن توفير 250 مليار دولار على الأقل للمنح الدراسية على امتداد مختلف المراحل التعليمية حتى الجامعة مساعدة الولايات على الوفاء بالتزاماتها التعليمية التي تفرضها ميزانياتها. والأهم من ذلك، أن مثل هذه المنح ستساعد على قطع أشواط أكبر نحو توفير التعليم خلال السنوات الأولى من الطفولة وتمويل البرامج التعليمية الموجهة إلى الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة ـ أي أن هذه الأموال ستحسن الأوضاع الحالية وتضع الأساس اللازم لمستقبل أفضل.

ومن الضروري للغاية خفض الضرائب المفروضة على الطبقة الوسطى بدرجة كبيرة. يذكر أنه على امتداد العقد السابق، فشلت دخول أسر الطبقة المتوسطة عن التوافق مع معدلات التضخم، خاصة بالنظر إلى ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية والتعليم. ومن شأن توفير العون إلى الطبقة الوسطى مساعدة الأسر الأميركية على الصمود في وجه العاصفة الحالية، علاوة على تعزيز الطلب الاقتصادي. عام 1932، حذر روزفلت من أن يكون المرء «جبانا، يخشى التغيير، ويقبع مكانه في مواجهة الطوفان». ولا تزال تلك الكلمات محتفظة بأهميتها حتى يومنا هذا. يجب علينا التحلي بالجرأة، خاصة أن أميركا تتمتع بموارد وفيرة وروح طموحة. وإذا وقفنا صفاً واحداً، فسوف نخرج من هذه الأزمة أكثر قوة ورخاءً من قبل.

*عضو الحزب الديمقراطي وحاكم نيوجيرسي

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»