ذهب يصطاد السمك

TT

المقارنة بين باراك أوباما وبين عهود الرؤساء الأميركيين السابقين تصلح فقط للعبة الكلمات المتقاطعة. وفيما عدا ذلك يجب عدم إضاعة الوقت بالبحث عن شبهاء له بين الديمقراطيين أو الجمهوريين. يجب أن نتابع أوباما بما هو عليه. ويجب أن نتذكر أنه جاء في زمن من التحديات لا يشبه أي زمن سابق حتى غداة الحرب العالمية الثانية. فبعد تلك الحرب كانت أميركا دولة منتصرة وثرية توزع المساعدات على كل أوروبا. وكان الدولار سيد العملات. وكانت واشنطن تندفع لطرد الاستعمار القديم من كل مكان.

اليوم أميركا بلد غارق في الكساد وسابح في البطالة. وصناعته مهددة. وبنوكه الكبرى على الحضيض. وأقدامها مليئة بالوحول في كل مكان. وعملتها تترنح. وديونها خيالية. وأضار جورج بوش بقعا من الدماء وبقعا من الفشل وبقعا من السقوط.

لقد بدأ أوباما ولايته بنقض جورج بوش وتفكيك إرثه المريع. وفيما يعد المراقبون «المائة يوم الأولى» من ولايته وماذا سيحدث فيها كان قد قطعها في ثلاثة أيام. لقد خرجت أميركا معه، على الأقل، من الخمول والبلادة والأمية السياسية والدبلوماسية والتاريخية. وقد زالت مرحلة العولمة من تلقاء نفسها، لكن العالم بدأ مع رئيس ذي نظرة كونية في استطاعته أن يخاطب الناس قائلا: في أسرتي سود، وفي أسرتي بيض، وفي أسرتي مسلمون. وقد قال لـ«العربية» إنه عاش طفولته في أكبر بلد إسلامي، وكاد يقول إنه ليس جورج بوش الذي عاش كل حياته في التكساس.

يتحرك أوباما في سرعة مذهلة. أو لعلها متوقعة من رجل في مثل خليطه وفي مثل حيويته. وما يعنينا في الأمر أن بوش ذهب يصطاد السمك. وقد ترك سلام العالم العربي إلى الأشهر الأخيرة، والتهى بحروب العالم العربي. واتخذ في الموضوع الفلسطيني سياسة بالغة الوقاحة قائمة على الصداقة مع شارون ورفض استقبال عرفات. وقبل أن يدخل أوباما البيت الأبيض كان يرسل جورج ميتشل إلى المنطقة. واختار أرقى فضائية عربية لا ليلقي من خلالها بيانا مكتوبا بل ليعطي أول مقابلة سياسية موسعة ومفصلة، أدارها الزميل هشام ملحم بكل كفاءة وعلى المستوى المفترض.

نحن أمام مرحلة جديدة لا أمام رئيس جديد. وأمام زعيم عالمي لا أمام رجل لا علاقة له بالفكر السياسي. ولا حتى بالفكر الاجتماعي. ولا بأي نوع من أنواع المؤهلات.