العرب عَرَبان في قمة الكويت

TT

في أحد اللقاءات الخاصة داخل إحدى قاعات قصر بيان حيث عُقدت قمة الكويت وفي اليوم الثاني من القمة، اقترب احد وزراء الخارجية وتربطه صداقة مع الرئيس السوري بشار الأسد وقال له: منذ أمس أي منذ إلقاء العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز كلمته والكل يتحدث عن دعوته إلى المصالحة العربية، لكننا حتى الآن لم نسمع منك أي كلمة، فمتى ستقول شيئاً؟ رد الرئيس السوري مبتسماً: «سأرد في أول فرصة».

وجاءت «الفرصة» مساء الاثنين الماضي وعبر تلفزيون «المنار» التابع لـ«حزب الله» حيث قال: «إذا كان المقصود هو مصالحة المواقف أو مصالحة السياسات فهذا بحاجة لحوار طويل. وما حصل هناك (الكويت) كان مجرد كسر للجليد (...)».

حاولت الكويت تحويل المشكلة إلى فرصة تلاقي وتجاوز الخلافات والانطلاق، لكن المشكلة أوسع من كونها فقط مشكلة عربية، إذ يضاف إليها منطق حسابات الربح والخسارة وحساب الالتزامات.

وفي ظل التباعد العربي - العربي، ورغم أن القمة الاقتصادية تجمع، ساد شعور وكأن هناك شبه خطة لمنع قيام العرب اقتصادياً، إذ إن التدمير يلاحق تدميراً، ثم تليه تعهدات بصرف المليارات من الدولارات لإعادة البناء أو بالأحرى التحضير لضربات جديدة.

في النقاشات الاقتصادية التي سبقت القمة أصاب رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة عندما شبه الوضع العربي الآن بوضع القسطنطينية، قال: عندما كان محمد الفاتح يدك أسوار القسطنطينية كان أهلها يتقاتلون حول جنس الملائكة. ثم نصح عندما نختلف بالعودة إلى ما قاله قبل 1400 سنة الإمام الشافعي: رأيي على صواب يحتمل الخطأ، ورأيك على خطأ يحتمل الصواب. فعلق عليه أحدهم: أن الإمام الشافعي ولد في غزة وعاش فيها خمس سنوات.

في القمة كانت الراحة تبدو على الوفد العراقي، فالعراق مقبل على انتخابات ويعيش التجربة الديمقراطية.

أما الوفد البحريني فقد لاحظ أن قناة «الجزيرة» القطرية عددت الدول المشاركة في قمة الكويت من دون أن تذكر البحرين. وقال لي أحد المسؤولين البحرينيين: «هذا الأمر لا ينتبه له ولا يفهمه إلا البحرينيون».

بعد خطاب العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز علّق الرئيس اللبناني ميشال سليمان وهو خارج من الجلسة الافتتاحية: «سيظهر أن لبنان كان على حق». وكان تعرض لانتقادات لأنه شارك في لقاء الدوحة وأصر في كلمته على التوافق العربي، ورفض تأييد الدعوة لتجميد المبادرة العربية: «إذا لم يكن لدى العرب بديل عنها».

صحيح أن إيران لم تكن موجودة، كما حصل في الدوحة، لكن كانت حبالها تضغط وتؤكد أن سياسة المحاور صارت أهم من الوحدة العربية. وقال لي سياسي عربي: «لن نخرج من هذه الدائرة المغلقة إلا إذا قبلنا أن يكون هناك كتلتان عربيان. صارت هناك صعوبة بالغة في تحقيق الوحدة بين كافة الدول العربية».

لم يكن متوقعاً حل الخلافات العربية في قمة الكويت، ولن يكون ذلك ممكناً في قمة الدوحة في شهر آذار (مارس) المقبل. كان واضحاً ان الدول العربية تبتعد عن بعضها كثيراً، واكثر من ذلك كان واضحاً ان هناك خلافات وبُعدا حتى في كل دولة الى درجة ان احد اعضاء الوفد اللبناني قال مازحاً: «في كل دولة هناك 8 آذار و14 آذار».

فرغم كل التمنيات والدعوات بقي ظاهرا مثلا الانقسام الفلسطيني والتباعد السوري- الأردني. سألت احد اعضاء الوفد الاردني: متى ستقطعون العلاقة مع اسرائيل؟ اجاب: «تقول سوريا انها هي التي تقرر حربها مع إسرائيل في الوقت الذي يناسبها. نحن قررنا في الوقت الذي يناسبنا توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل».

كان الإصغاء لخطاب الرئيس السوري بشار الأسد مركزا. تحدث عن ضعف الإرادة العربية السياسية، وطالب ألا تنعكس تعقيدات العلاقات السياسية على العلاقات الاقتصادية. لم يأت في خطابه على ذكر المبادرة العربية، كما فعل في الدوحة، لكنه شدد على ان تكون القمة قمة قرارات لا قمة تسويات انطلاقاً من ان «المقاومة اساس لاستمرارنا»، إنما لم يأت على ذكر الجولان. وكان اعضاء الوفد السوري خلال اللقاءات المفتوحة في قاعات قصر بيان ينسحبون من اي نقاش عندما يُسألون عن «جبهة» الجولان!

المتابعون يلاحظون عمق «الانفصام» في الشخصية السياسية السورية. جولان هادئ، ومفاوضات مع إسرائيل معلقة مؤقتاً، وفي الوقت نفسه المطالبة بالمقاومة وفتح معبر رفح وإلغاء مبادرة السلام العربية. سألت وزير الخارجية السوري وليد المعلم: «متى ستعودون الى العرب»، فأجابني: «وهل تخلى العرب الآخرون عن إسرائيل؟». في حديثه الى «المنار» سئل الرئيس السوري عما إذا كان تحسن العلاقات العربية- العربية مرهونا بافتراق سوريا وايران، فأجاب: «البديهي اكثر ان نقول ان العلاقات العربية -العربية مرهونة بإيقاف العلاقة مع إسرائيل وليس مع ايران».

ورغم الدور الذي قام به أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد في التهدئة، إلا أن الغضب ظل سيد الموقف وتبين ذلك من كلمتي الرئيس المصري حسني مبارك والرئيس الفلسطيني محمود عباس. وكان الغضب بادياً على وجه أمير قطر الشيخ حمد والتوتر بادياً على وجه الرئيس السوري في حين ظل وجه نائبه فاروق الشرع مشدوداً - حتى عندما اسرع، بعدما ألقى العاهل السعودي كلمته «المفاجأة» ودعا الى المصالحة- وكنا لاحظنا أن أمير الكويت مال باتجاه الرئيس السوري وبدا مشجعاً له للتجاوب، لكن في هذه اللحظة غادر الشرع مكانه في القاعة وتوجه الى المنصة وهمس في اذن رئيسه. وبعدها ظل الأسد في مكانه وأعطيت الكلمة للرئيس المصري. ما تأكد في قمة الكويت، أن هناك حرباً باردة عربية - ايرانية وعربية - عربية، وأننا دخلنا في صراع اقليمي محاوري وان مصر تشعر بتهديد مباشر وانقلاب عليها، ولو نجحت المحاولة في مصر قد تنجح في الاردن. من هنا كانت مشاركة الملك عبد الله الثاني في قمة شرم الشيخ وفي اللقاء السداسي الذي دعا اليه أمير الكويت.

في قمة الكويت قال محمود عباس: «لن نسامح من قتل «اتفاقية مكة» بعد اشهر قليلة من التوقيع عليها، ولو لم يكن الانقلاب عليها ما كان حصل ما حصل». قد تُعقد بعد سنوات قمة اخرى ويقف فيها من يقول: «لن نسامح من لم يتجاوب مع دعوة الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى أن «نسمو على خلافاتنا ونتخذ موقفاً مشرفاً (...)». إن المحاور القائمة حالياً تمنع عدداً من الاطراف العربية من التجاوب، كما ان الفلسطينيين انفسهم لا يريدون المصالحة وكان محقاً عمرو موسى عندما قال: ان انقسام الفلسطينيين أطاح بالقضية الفلسطينية.

رفضت الدول العربية التي ليست في المحور الايراني التخلي عن مبادرة السلام العربية، ذلك ان العالم مقبل على تغييرات جسيمة مع مجيء الرئيس الأميركي الجديد باراك أوباما، وما كان مقبولا ان تستقبله بتصعيد في الوقت الذي تأكد فيه ان المفاوضات التي تديرها تركيا بين إسرائيل وسوريا، سوف تُستأنف وتتدخل فيها أميركا، وستمارس ضغطاً على إسرائيل لتعيد كل الجولان بما فيه الـ 300 متر الأخيرة التي ستعاد الى سوريا انما تبقى تحت اشراف الامم المتحدة. ثم ان اوباما في كلمة تنصيبه وفي اشارته الى الانظمة الديكتاتورية قال انه مستعد ان يمد اليد اليها اذا ما أرخت قبضتها، وبذلك اعطى بطريقة غير مباشرة ما يشبه «الضمانة» لايران وسوريا من انه لن يعتمد سياسة قلب الانظمة.

في بيانها دعت القمة الى تنقية الاجواء العربية استعداداً لقمة الدوحة. لكن الصراع العربي-الاسرائيلي صار ثلاثة صراعات تشمل سوريا-ايران-اميركا. ان مشكلة الشرق الأوسط تزداد تعقيداً. هناك سباق ايراني- سوري لحل مشاكلهما مع أميركا، لكن سيظل الصراع العربي -الإسرائيلي يسمم علاقة أميركا مع كل الدول العربية والإسلامية وحله مصلحة أميركية. لكن من أين سيبدأ أوباما؟