بانتظار المائة يوم الأولى

TT

جريا على عادة منح أي رئيس أو عهد جديد فرصة مائة يوم قبل الحكم على أدائه، من الإجحاف الخوض في تقييم مبكر لسياسات الرئيس الأميركي باراك أوباما، خصوصا أنه استهل عهده بالإعلان عن الخطوة الأولى في مسيرة تنفيذ وعده الانتخابي بإغلاق معتقل غوانتانامو - الذي وصفه بأنه «خيانة للقيم الأميركية»- عبر تعليقه لمحاكمات المعتقلين، والخطوة الأولى أيضا في مسيرة إنعاش الآمال العربية المعقودة عليه لتحقيق تسوية شاملة للنزاع العربي – الإسرائيلي بتسمية جورج ميتشيل ممثله الخاص للشرق الأوسط، واتصاله برئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، ليؤكد له رغبته «في العمل معه كشركاء بهدف قيام سلام دائم».

ثلاثة مواقف واعدة لمن يتطلع إلى عهد أميركي متحرر من ايديولوجية «المحافظين الجدد».

ولكن مراوحة أوباما بين ما يمكن اعتباره منحى ليبراليا، من جهة، ونهجا محافظا من جهة أخرى، توحي بأنه قد لا يكون ذلك الرئيس الليبرالي الذي توقعه العالم.. ولا ذلك الرئيس المحافظ الذي اعتادوا عليه إبان عهد جورج بوش، بل أقرب إلى الرئيس «البين بين»، أو الرئيس «البراغماتيكي» المنفتح على الحلول العملية.

في هذا السياق يندرج «قلق» نشطاء الحركة المناهضة للحرب - الذين كانوا من أوائل من تحلق حوله خلال الحملة الانتخابية للحزب الديمقراطي – النابع من مقارنتهم لموقفه من حرب العراق، اليوم، مع موقفه السابق ففيما كان يؤكد قبل انتخابه «إني سأضع حدا لهذه الحرب في بحر العام 2009» عاد اليوم ليقول إن إنهاءها قد يأخذ «وقتا أطول».

ويزيد من قلقهم أيضا تمسكه بروبرت غيتس، وزير دفاع جورج بوش، في منصبه، الأمر الذي أتاح لمحررة صحيفة «ذي نيشن» الليبرالية، كاترينا فاندل هوفل، الملاحظة بأنه «لا يوجد عضو واحد مناهض للحرب في فريقي أوباما المكلفين بالسياسة الخارجية أو الأمن القومي».

ويأخذ مناهضو الحرب على أوباما، أيضا، أنه عوض وضع حد لحرب بوش على «الإرهاب» ينوي مواصلتها في أفغانستان وإن كان بتسمية مغايرة.

أما بالنسبة للاجتياح الإسرائيلي لقطاع غزة، فإن نشطاء حركة مناهضة الحرب يأخذون على أوباما صمته التام على ما كان يرتكبه الإسرائيليون من جرائم حرب ومجازر بحق المدنيين والنساء والأطفال، وتجنبه أي إدانة لهذه التصرفات ولو من منطلق محض إنساني. وحين تكلم، بعد أن صار رئيسا، لم يخرج عن ترداد اللازمة الأميركية التقليدية في الحرص على أمن إسرائيل.

هل تثبت الأيام أن قاعدة الرئيس باراك أوباما الشعبية والانتخابية كانت أكثر ليبرالية في توقعاتها من رئاسته مما هو راغب حقا في تقديمه.. والأخطر من ذلك، قادر على تقديمه؟

استطلاع للرأي أجرته منظمة military.com في أوساط المنتمين إلى المؤسسة العسكرية الأميركية (حاليين وسابقين) عن مواقفهم من أوباما بعد أن أصبح رئيسا للولايات المتحدة، يوحي، بين سطور الأجوبة عليه، أن الرئيس «السابقة» في الولايات المتحدة قد لا يكون مطلق الحرية في اتخاذ القرارات الكبرى، فقد أعلن33 % منهم أنهم مستعدون «دون أي تحفظ» لتنفيذ الأوامر التي يصدرها بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة فيما قال 42 % إنهم سيتبعون أوامره ولكنهم سيبقون «قلقين» من أن تتسبب قلة خبرته بإيصالهم إلى أوضاع أسوأ من الأوضاع التي أوصلهم إليها بوش، وأبدى 25 % رغبتهم في ترك المؤسسة العسكرية في أقرب فرصة لأنهم، مع الأسف، «لا يثقون به».

منظمة الاستطلاع لم تذكر أعداد العينة التي شملها الاستطلاع ولا دافعها لإجرائه فور تسلم أوباما مقاليد الحكم. ولكن «قلق» 42 % ممن شملهم الاستطلاع وفقدان 25 % منهم «ثقتهم» بأوباما يعني أن ثلثي العسكريين الأميركيين يتحفظون على قيادة باراك أوباما وربما يعني أيضا أن الرغبة في التخلص من إدارة الجمهوريين كانت عاملا انتخابيا فاعلا في وصول أوباما إلى البيت الأبيض.

ولأنه يصعب التصور بأن هذه المواقف لا تخلو من خلفية عنصرية مبطنة، يجوز التخوف من أن تصبح مراعاة «المؤسسة البيضاء» في الولايات المتحدة - العسكرية والمدنية - العقدة الخفية لولاية أوباما، خصوصا أنه رئيس طموح يتطلع إلى ولاية ثانية في البيت الأبيض.