تأملات في قضية الشرق الأوسط

TT

لعلها المرة الأولى التي يتجرأ فيها الأمين العام للأمم المتحدة بإدانة إسرائيل بكلمات واضحة ودون أي مواربة!. قد يقول البعض: وما أهمية هذه الإدانة وإسرائيل ماضية في ذبح شعب فلسطين؟. والحقيقة أن إدانة الأمين العام للأمم المتحدة وإنْ كانت صادرة بوصفه إنسانا ذهب إلى غزة ورأى الدمار والدماء في كل مكان، فهي لن تقدم أو تؤخر كثيراً في قضية الشرق الأوسط. وقد وضحت الصورة الآن أمام الجميع أن حلم الدولتين المتعايشتين في سلام قد انهار، كما قال بذلك وزير خارجية ألمانيا السابق. وبقى أن نفكر: هل إقامة دولة «إسراطين»، التي ينادى بها الرئيس الليبي معمر القذافي، أصبحت أحد الحلول المطروحة التي يمكن عملياً مناقشتها؟. أعتقد أن إسرائيل لو قبلت مجرد قبول فكرة مناقشة إقامة دولة واحدة مع فلسطين تسمى «إسراطين»، تكون بذلك قد قضت بالكامل على الفكرة والعقيدة التي عليها ومن أجلها قامت دولة إسرائيل. والمشكلة أن الإسلام ومِن قبله المسيحية واليهودية يتقبلون فكرة وجود الآخر، ولا يشغلهم كثيراً مكان هذا الآخر، هل هو في البيت الذي يليه، أم في المسكن الذي يعلوه، أم في البلد المجاور. أما حكماء بني إسرائيل الذين خطوا فكرة الدولة اليهودية الحديثة وأهدافها، بل ووضعوا أحلامها في كتابات سرية وذكروا زيفاً أنهم صاغوها من التوراة التي أنزلها عليهم الرب، فإن فكرة وجود الآخر بينهم تعتبر مستحيلة، وأصبح الخوف من الآخر جزءا لا يتجزأ من الشخصية الإسرائيلية. وعلى مدار الأجيال والسنين الماضية تم تعميق هذا الخوف في نفوس أبنائهم، وذلك بإظهار الآخر بمظهر الوحشية والهمجية، وأصبح عنوانا للتخلف. والحل هو أن تعيد إسرائيل تخطيط مستقبلها، وأن تضع فكرة إقامة «إسراطين» محل حوار ومناقشة جدية، لعلها تنقذ ما تبقى لها من أحلام، بعدما أعطاها التاريخ أكثر من درس، ولم تعِ أيًّا منها، ونذكر حكامها بأن القوة والغطرسة لا تؤدى إلى النصر، خاصة إذا كانت في حرب من طرف واحد.

لقد قرأت مقال القذافي المنشور في صحيفة الـ «هيرالد تربيون» أكثر من مرة، ووقفت كثيراً عند فكرة «إسراطين»، ووضعت أكثر من علامة استفهام من وجهة نظر دارس لتاريخ البشرية وتطور المجتمعات والحضارات القديمة، وأدعو أنفسنا نحن العرب إلى التعامل مع قضايانا من مبدأ تعدد الحلول، وليس مبدأ الحل الواحد والأوحد الذي دائماً ما نستخدمه في كل مشاكلنا، فلا بد أن تكون لنا سياسة تضع على أجندتها كل الاحتمالات، وتتعامل معها بحلول متعددة، تكون مصلحتنا العليا هي المقدمة دائماً، وفى ذات الوقت حق الآخر في الحياة والعيش. هكذا يفعل العالم كله، ولكن قبل هذا.. لا بد من التفكير مرة ثانية في موضوع الوحدة بين العرب، وأن توازن الدول العربية بين ما ستجنيه من هذه الوحدة وما ستعانيه منها.

وفى وسط سحابة الحزن، نرى أشعة أمل تأتينا من بعيد.. فالرئيس الجديد باراك أوباما قرر إغلاق معتقل جونتانامو في خلال عام واحد، وعيَّن مبعوثا للسلام في الشرق الأوسط لإيجاد حلول واقعية للصراع العربي الإسرائيلي. كذلك تحركت المنظمات الأهلية في كل مكان للضغط على إسرائيل لإيقاف اغتيالها لشعب فلسطين، حتى إن بعض يهود العالم ظهروا في وسائل الإعلام يبرئون ساحتهم من أفعال قادة إسرائيل التي ستظل تحيا الخوف، طالما ظل السلاح في أيديهم، وعليهم قراءة التاريخ مرة أخرى.

www.guardians.net/hawass