أن تكون «بي بي سي».. عربية

TT

من غير المقنع أن تتمسك إدارة شبكة «بي بي سي» البريطانية، بقرارها عدم بث نداء من أجل جمع أموال لمساعدة ضحايا غزة.

قوبل القرار بانتقادات واسعة، وأثار نقاشات في الصحف البريطانية، عن معنى الحياد في مثل هذه الحال، خصوصا أن نداءات سابقة بثتها القنوات البريطانية تتعلق بضحايا إقليم دارفور وإعصار بورما.

النقاش الدائر حول قرار «بي بي سي» ضرورة، ليس إنسانيا فقط، بل مهنيا وأخلاقيا، إذ حتما يحتاج المشاهد والإعلام تحديدا، قناة إخبارية من طراز «بي بي سي»، التي وإن اختلف مع تفاصيل في أدائها، لا يمكنه إغفال قيم ومعايير مهمة أسستها وراكمتها، على مدى تجربتها.

يصح ذلك لدى الحديث عن شبكة «بي بي سي» العالمية، أما إذا تطور النقاش لدور وأداء «بي بي سي» العربية، فيصبح الكلام في مكان آخر.

فقبل أيام أعلن تلفزيون «بي بي سي» العربي، زيادة ساعات بثه إلى 24، بعد قرابة العام من انطلاق القناة التي راهن القيمون عليها أنها ستعمل على تغطية المنطقة بصورة معمقة، من خلال القيم الإخبارية المعروفة عن «بي بي سي»، وتحديدا الدقة والموضوعية.

بُعيد انطلاقة القناة، شهدت المنطقة سلسلة من الأحداث التي غالبا ما تنتظرها قنوات وليدة، لتثبيت حضورها وتمايزها المهني. أحداث العراق ولبنان وفلسطين، وآخر حلقاتها مأساة غزة، كانت مناسبة ليتطلع المشاهد العربي إلى قناة يعتبرها مرجعا في ظل التناقضات الإعلامية المحيطة به.

هذا الأمر لم يحصل مع «بي بي سي» العربية، إذ لم يتكرس بعد شعور عند المشاهد العربي أن هذه القناة قد حجزت لها مكانا بين القنوات، ولم تتكرس عادة متابعتها على غرار ما هو حاصل مع قنوات أخرى، رغم توافر الملاحظات النقدية المحقة بحق القنوات العربية الأخرى، والتي تعطي قناة «بي بي سي» مصداقية مضاعفة.

وإذا افترضنا أن هذا الغياب مرده إلى أن «بي بي سي» تعمل بطريقة مختلفة، لأنها تنظر إلى الأحداث من زاوية مختلفة، وبالتالي فهي على الحياد، فإذا كان الأمر كذلك فإن هذا الحياد هو حياد سلبي وليس حياد الباحث عن الحقيقة أو المتقصي لها.

لم يظهر أن لـ«بي بي سي» رؤية خاصة لما حدث في غزة، كما لم يظهر أن لها رؤية لما يحدث في العراق أو لبنان. ولا يكفي أن تمدد ساعات البث وأن يفتح الهواء لمداخلات عبر موقع «يو تيوب» من قبل مشاركين عرب، للتعبير عن أرائهم، التي بالكاد تكون واضحة للقول إن القناة كسرت القوالب وخرقت المحظورات.

لا يشكل هذا الكلام دعوة لـ«بي بي سي» للانخراط في الانقسامات العربية، وإنما تطلب من مشاهدين ومتلقين يرون في الإعلام العربي الحالي مشهدا ناقصا من دون «بي بي سي». ولا شك أن على الإدارة البريطانية للقناة، أن تلحظ أن مشكلة فعلية تعترض أداءها العربي، وهو أمر طبيعي، كونه يسود بين صفوف صحافييها العرب كثر من حاملي إرث إعلامي عربي مترهل ومتخم بالانحيازات والانقسامات، التي عجزت الموضوعية عن تجاوزها.

يبدو في أداء شريحة من مراسلي ومقدمي «بي بي سي» تعثر أساسي عن اللحاق بركب المعايير العريقة، التي وضعتها القناة الأم، وهم بهذا يبدون مثل المهاجرين العرب إلى أوروبا، عاجزين عن الاندماج في مجتمعاتهم الجديدة.

diana@ asharqalawsat.com