النداء الذي أذيع

TT

قامت بريطانيا بصحفها وبرلمانها ومؤسساتها ضد الـ «بي. بي. سي» لأنها رفضت بث نداء إغاثة إلى غزة. وتصرف كل مواطن مسؤول وكأن مؤسسته الإعلامية الأولى وجهت إليه طعنة شخصية في آدابه وقيمه الأخلاقية. وهذا هو البلد الذي قال عنه السيد أبو حمزة المصري، إنه مجرد مكان عابر لقضاء الحاجات الطبيعية، مستخدما طبعا الأسماء الصريحة، كجزء من شجاعته الأدبية.

نستحق الانتماء إلى عصر الفضائيات عندما يصبح لدينا صحف ومسؤولون وسياسيون يناصرون خصمهم في ساعة الظلم. الرأي الآخر ليس خناقة ولا ملاكمة بل حق مقدس يضمنه القانون ويؤكده الحق الإنساني في رد الظلم والعدوان والهمجية. والـ «بي. بي. سي» التي دخلت تاريخ المؤسسة البريطانية على أنها رمز الحد الممكن من الاستقلالية، سوف يعاد تصنيفها الآن على أنها مؤسسة لم تكن في مستوى الظلامة البشرية، وأنها فشلت في تقويم موقف إلزامي من مأساة بشرية واضحة.

والظاهرة الأولى أن الـ «بي. بي. سي» لم تجد من يدافع عن خطئها حتى بين غلاة مؤيدي إسرائيل. لقد أدينت صوتاً واحداً. ولم يتوقف أي بريطاني ليتساءل إن كان نداء الإغاثة سوف يفيد حماس أو سوف يسعف آلاف الغزاويين الذين طحنتهم آلة الحرب الوحيدة في الشرق الأوسط.

لا تستطيع الـ «بي. بي. سي» لحظة واحدة أن تكون بوق الحكومة البريطانية أو سلاحها في وجه خصومها. وإذا كانت ترفع شعار الاستقلالية فعليها أن تتحمل مسؤولية ذلك، لأن الاستقلالية آداب وأخلاق وممارسة وأعراف وقواعد ومقاييس وضوابط، وليست هوائياً يضاف إلى هوائيات الغوغاء والعبث والعنف اللفظي والأحقاد الهاطلة والماطرة.

تبث جميع شركات التلفزيون البريطانية الرئيسية النداء الذي أرغمت الـ «بي. بي. سي» على إذاعته في نهاية المطاف. فالمآسي الإنسانية لا تخضع لوجهات النظر ولا للرقابة السياسية التي تخضع لها في العالم العربي، حيث يتحول ألوف الضحايا، إلى أرقام مكايدة ومباراة في تحقيق أهداف الموت والدم. والدرس الذي أعطاه البريطانيون للـ«بي. بي. سي» لا علاقة لنا به. نحن قوم حرياتنا وأدبياتنا في استخدام الدم درجا في سلم.