الشراكة مع باكستان

TT

تتطلع باكستان إلى بداية جديدة في علاقاتها الثنائية مع الولايات المتحدة. وبادئ ذي بدء، نهنئ الرئيس باراك أوباما والدولة التي حملتها شخصيتها على انتخابه، كما أننا نرحب بقراره تعيين مبعوث خاص لجنوب غرب آسيا. إن تعيين الدبلوماسي المتمرس ريتشارد هولبروك ينم عن الكثير بشأن وجهة النظر العالمية للرئيس، وفهمه لصعوبات السلام والاستقرار والتهديدات التي يفرضها التطرف والإرهاب. وببساطة، يتعين علينا التحرك بعيدًا عن الخطابات، وتناول المشكلات المستعصية بالعلاج.

ولطالما تم تعريف باكستان على أنها أعظم مشكلة خارجية عصيبة تواجه الإدارة الجديدة. نعم إن الوضع في باكستان، وأفغانستان، والهند، عصيب فعليًا، إلا أن مدى خطورته يطرح فعليًا فرصة لعمل ابتكاري وشجاع. ومنذ انتهاء ديكتاتورية مشرف، عملت باكستان على مواجهة تحديات الديمقراطية الغضة الواقفة في مواجهة التمرد النشط، وهذا كله في غمرة الأزمة الاقتصادية العالمية. وسيكتشف السفير هولبروك قريبًا أن باكستان بعيدة كل البعد عن أن تكون شريكًا لا يملك سوى إلقاء الخطابات بشأن الحرب على التطرف. وعلى نقيض فترة الثمانينات، لم نكن بدلاء لأي أحد. ومع جل الاحترام، نحن لسنا بحاجة إلى محاضرات بشأن التزامنا، فهذه حربنا. فأطفالنا، ونساؤنا هم من يُصرَعون.

وسيواجه السفير هولبروك منطقة مفعمة بالقضايا المتبادلة عبر الحدود؛ وتتمثل في مشكلات قديمة تُركت حتى التقيح، ووقائع جديدة في عهد الإرهاب الفعال النشط، وتبعات باقية للدعم الغربي السابق للديكتاتوريات وعدم الاكتراث بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية. ولنصف تلك المشكلات بدقة أكثر.

قبل 60 عامًا تقريبًا، ارتكزت العلاقة بين باكستان وأميركا على السياسات المقابلة ذات الأهداف قصيرة المدى، بدلاً من الاستراتيجية بعيدة المدى. وصراحة، أعاد التخلي عن باكستان وأفغانستان إبان هزيمة الاتحاد السوفياتي في الثمانينات المسرح إلى عهد الإرهاب الذي نعاني منه جميعًا. وعاد حينها دعم الولايات المتحدة لأولويات الديكتاتوريات، وفي بداية الألفية غضت الطرف من جديد عن التنمية الاقتصادية والاجتماعية لبلادنا، وأولويات الشعب، لذا يجب علينا أن نفعل ما هو أفضل. ويتفهم الرئيس أوباما أنه لتتمكن باكستان من هزيمة المتطرفين، فإنها يجب أن تتمتع بالاستقرار. ولتنجح الديمقراطية، يجب أن تكون باكستان مفعمة بالحيوية اقتصاديًا.

إن المساعدة الموجهة إلى باكستان ليست إحسانًا، وبدلاً من ذلك، يتعين أن يكون إنشاء دولة باكستان المستقرة سياسيًا والمنتعشة اقتصاديًا بمثابة الشاغل الاستراتيجي بعيد المدى للولايات المتحدة.

ويتعين على إدارة أوباما تشجيع الكونغرس على الفور لتمرير قانون الشراكة المعززة مع باكستان. وسيومئ الالتزام السنوي الممتد لعدة سنوات والبالغ قدره 1.5 مليار دولار المخصص للتنمية الاجتماعية لشعبنا أنه لم يعد هناك أي علاقة وفاق سياسي، بل قيم وأهداف مشتركة.

كما أن تعزيز ديمقراطيتنا، والمساعدة في تحسين التعليم، والإسكان، والرعاية الصحية هي أعظم أداة يمكننا استخدامها في وجه التطرف. وبالفعل، تمثل هذه السياسة أسوأ ما يخشاه المتعصبون.

وستمنح دلالة وجود فرص منطقة إقليمية لبناء اقتصاد نشط في شمال غرب باكستان وأفغانستان لسكان هاتين المنطقتين حصة اقتصادية وسياسية في نجاح حكومتيهم الديمقراطيتين. ويتعين الاطلاع مرة أخرى على التشريع الذي قدمه كل من العضو الجمهوري كريس فان هولان والسيناتور ماريا كانتويل سريعًا، فسيومئ هذا التصرف إلى منطقتنا بأن الولايات المتحدة تتفهم العلاقة المتبادلة بين الاقتصاد الصحي، والشعب الراضي والحكومة المستقرة. وعلى مدار الشهور العديدة الماضية، أُحرز تقدم ملحوظ في معركتنا ضد طالبان و«القاعدة». وتضمنت التدابير المتعلقة بهذا الشأن الغارات الجوية المتكررة التي قامت بها طائراتنا الإف-16 والهجمات الأرضية المستهدفة. ونحن عازمون على العمل لحماية بلادنا. ونظرًا لعدم قدرتنا على تنفيذ خططنا الحربية كاملة، فنحن نحث الولايات المتحدة على منحنا الموارد الضرورية - مثل تحديث عتادنا، وتزويدنا بأحدث التكنولوجيات - وبالتالي سنتمكن من محاربة الإرهابيين بصورة فعالة استباقية على أساس رؤيتنا نحن، وليس وقائيًا على أساس رؤيتهم هم. فقط امنحنا الأدوات، وسننجز نحن المهمة.

وعلى أساس خبرته، يتفهم السفير هولبروك بكل تأكيد أن السلام يمكن أن يتحقق في منطقتنا فقط عبر مواجهة المشكلات طويلة الأمد والمهملة. ومثلما تبقى القضية الفلسطينية العائق الرئيس لتحقيق السلام في الشرق الأوسط، فإنه يجب مواجهة قضية كشمير أيضًا بصورة هادفة لفرض الاستقرار بالمنطقة. ونأمل أن يعمل المبعوث الخاص مع الهند وباكستان ليس للتوصل إلى مجرد حل منطقي لقضايا كشمير وجامو فقط، ولكن لمواجهة الاقتصاد الحرج والمخاوف البيئية.

وتتصل أزمة المياه في باكستان مباشرة بالعلاقات مع الهند، ويمكن للحل أن يحول دون حدوث كارثة بيئية في جنوب آسيا، أما الإخفاق في تحقيق هذا فقد يسكب الوقود على نيران السخط الذي قاد بدوره إلى التطرف والإرهاب. ونحن نطري إعجابًا على رغبة الرئيس في الارتباط مع بلادنا والهند لنزع فتيل التوترات بيننا. إن لدى باكستان والولايات المتحدة الكثير من القواسم المشتركة، ويتعين أن نكون شركاء في السلام. وتعد لحظة الأزمة هذه فرصة مواتية لإعادة صياغة علاقاتنا. ونحن نمد يدنا بالصداقة. وفي واقع الأمر، فقد كافحت الديمقراطية الجديدة في باكستان القبضات القوية للمتطرفين، باستخدام الاستعارة التي قالها أوباما في خطاب التنصيب. ولا تدعوا الأجيال المستقبلية تقول إن بلادنا فقدت فرصة استثنائية لبناء سلام دائم في جنوب آسيا.

* الرئيس الباكستاني

*خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»