التحايل على وزارة الخزانة

TT

في مجتمع أميركا الديمقراطي كما لم يكن من قبل، تتسرب المساواة إلى كل شيء، حتى في المنافسة الرياضية الشديدة. لذا يحصل كل صبي في عمر السابعة يرتدي حذاء رياضيا عقد رباطه أحد والديه على ميدالية لمجرد ظهوره في الملعب، ويستحق كل فريق كرة قدم جامعي أن يحصل على الكأس. وتوجد 34 مباراة خارج الموسم، لذلك ربما لم تلحظ مباراة خطة الإنقاذ (والجدير بالذكر أنها كانت بين فريقي بول ستيت وتولسا)، حيث كان من الممكن أن تشاهد الدولارات التي دفعتها للضرائب في الملعب.

كان اسم المباراة الحقيقي هو مباراة «جي إم إيه سي». وتعرف شركة «جي إم إيه سي» بأنها «الذراع الممولة» لجنرال موتورز. ولكن كانت سيربيروس، شركة الأسهم الخاصة العملاقة التي تملك 80.1 في المائة من كرايسلر، تملك 51 في المائة من «جي إم إيه سي»، حتى أعلنت الحكومة شركة «جي إم إيه سي» شركة مصرفية قابضة. وكان من المفترض أن يكون هذا التحول ضروريا لجعل «جي إم إيه سي» مستحقة للانضمام إلى برنامج إنقاذ الأصول المتعثرة، على الرغم من أن جنرال موتورز ذاتها تحتل مكانا في البرنامج، كما هو الحال مع كرايسلر. وعلى أية حال، خفضت دولارات خطة الإنقاذ، 6 مليارات منها تحديدا، من ملكية سيربيروس لـ «جي إم إيه سي» لتصل إلى 33 في المائة، ولكن يبدو أن هذا الانخفاض ثمن زهيد دفعته سيربيروس في مقابل القضمة الثانية من تفاحة خطة الإنقاذ.

وقد أعلنت واشنطن في صرامة أنها ستسمح لـ«جي إم إيه سي» بأن تصبح شركة مصرفية قابضة فقط إذا استطاعت الشركة زيادة رأسمالها إلى 30 مليار دولار. وعندما عجزت «جي إم إيه سي» عن تنفيذ هذا الطلب، أمدتها واشنطن ببعض مما قصرت عنه. وبعد أن أصبحت «جي إم إيه سي» مستحقة للحصول على أموال الإنقاذ على الفور، خفضت جنرال موتورز نسبة الفائدة إلى صفر، على القروض التي تستمر لمدة 60 شهرا، على طرز معينة من السيارات. وهذا بالطبع يعوق منافسي جنرال موتورز، ومنهم تويوتا وهوندا وشركات أخرى «منقولة» تصنع سياراتها في أميركا بواسطة أميركيين ومن أجل الأميركيين، وفورد، التي لا تتمتع بحرية المناورة التي تمنحها أموال الإنقاذ لأن فورد لن تحصل على أي منها.

وربما تكون مقولة «إن العمل الجيد لا يمر من دون عقاب» سببا لحصول فورد على بعض المال. حينها يمكن أن تنضم إلى جنرال موتورز في استخدام أموال دافعي الضرائب في إنتاج المزيد من الأصول المتعثرة. ونشرت «نيويورك تايمز» أن «جي إم إيه سي» بدأت في منح قروض للمقترضين ذوي سجلات ائتمانية تصل درجتها إلى 621، وهو رقم يقل كثيرا عن الحد الأدنى المقرر بـ700 والذي وضعته الشركة منذ ثلاثة أشهر في أثناء محاولاتها للبقاء. ويصل متوسط درجة السجل الائتماني في أميركا إلى 723. وستزيد معايير «جي إم إيه سي» المنخفضة من أعداد مستحقي القروض التي تمنحها بـ50 مليونا تقريبا. ماذا نطلق على القروض التي تمنح لمتقدمين كان يعتقد، منذ ثلاثة أشهر، أنهم يحاولون شراء سيارات أغلى بكثير من إمكاناتهم المادية؟ ماذا عن مصطلح «القروض عالية المخاطر»؟ حينئذ، هل يجرب الاقتصاد، الذي يعاني من اضطراب عنيف بعد الخوض في عمليات إقراض متهورة، التداوي بالداء ذاته؟

تأتي الـ6 مليارات دولار إلى «جي إم إيه سي» من الحكومة الفيدرالية التي اشترت أسهما ممتازة بقيمة 5 مليارات دولار في «جي إم إيه سي»، وأقرضت مليار دولار أخرى لجنرال موتورز لكي تستثمرها في «جي إم إيه سي». كل هذا يؤمم «جي إم إيه سي» جزئيا، لذا يجب أن يشعر دافعو الضرائب بالفضول التام، على سبيل المثال، لمعرفة كم دفعت «جي إم إيه سي» في مقابل رعايتها لمباراة كرة القدم خارج الموسم. ولكن «جي إم إيه سي» لن تقول شيئا.

لم لا؟ أيا كان المبلغ، قد يكون رقما ضئيلا بالنسبة للـ6 مليارات دولار. وفي عام 2000، أول عام ترعى فيه الشركة مباراة خارج الموسم، دفعت 500,000 دولار. وربما يكون لرعاية المباراة معنى تسويقي، حتى في الوقت الحالي. ولكن على الرغم من أن جيوبها ممتلئة بالمال العام، أعلنت الشركة عبر المتحدثة الرسمية باسمها يوم الاثنين، أنها لا تكشف عن تفاصيل برنامجها التسويقي.

هل هناك أية موانع قانونية لما يمكن أن يفعله الفرع التنفيذي بأموال خطة الإنقاذ؟ هل هناك أية شروط قانونية تتعلق بما يجب على الحاصلين على أموال الإنقاذ الإعلان عنه أو توضيحه؟ على الأرجح لا يوجد. ولعلنا نعمل بمبدأ نوكس. وقد كان فيلاندر تشايس نوكس وزيرا للعدل تحت رئاسة تيودور روزفلت عندما استولت الولايات المتحدة على منطقة قناة بنما بطرق غير أخلاقية. وعندما طلب روزفلت من نوكس دفاعا عن عملية الاستيلاء، يقال إن نوكس أجاب: «سيدي الرئيس، لا تدع إنجازا عظيما مثل هذا يخضع للالتزامات القانونية».

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»