اشتراكية

TT

هناك عودة قوية لدراسة كتب وأفكار كارل ماركس، رائد التنظير الاشتراكي الشيوعي، وذلك بعد حدوث الانهيار المالي الكبير في العالم، واضطرار الدول الصناعية الكبرى إلى التدخل بصورة فورية ومباشرة في ملكية وإدارة المنشآت الصناعية والمالية والخدمية لإنقاذها من الانهيار والإفلاس الوشيك. هناك عودة واضحة وقوية لأسلوب تشخيص كارل ماركس للمجتمعات الاقتصادية والعلل الأساسية بها، وهذا يأتي مع الاتساع الكبير جدا للهوة ما بين الأثرياء والفقراء، وخصوصا في ظل انتشار التعويضات المالية المبالغ فيها للتنفيذيين الكبار بالمؤسسات الاقتصادية الكبرى، وأيضا في ظل تدهور معدلات المرتبات والأجور الدنيا بشكل مقلق، لا يتناسب ومتطلبات الحياة وتكاليفها المستمرة في الارتفاع.

ولقد أظهرت النتائج الأولية للانهيار الاقتصادي الكبير الناتج عن الأزمة الكبرى التي يعاني منها العالم اليوم، أن الدول التي لديها «النفحات» الاشتراكية في أنظمتها السياسية، مثل فرنسا بشكل رئيسي، والسويد وغيرها، كانت الأقل تعرضا للمشاكل والآثار الجانبية للأزمات المالية، ولم تؤثر فيها مثل الدول الأخرى.

هناك رغبة جامحة تجتاح الأوساط الأكاديمية والاقتصادية بضرورة عودة التدخل الحكومي وتشديد الرقابة والتشريعات على الأسواق، وعدم تركها كما كانت عليه حتى تحولت إلى وحشية مفرطة، تسببت في إهدار الثروات وتبديد الفرص وضياع الوظائف. ويلقى هذا الطرح الاعتراض والصد والمهاجمة، فهناك رافضون لهذا الطرح باعتباره وأدا صريحا للرأسمالية ونهج حرية السوق وضرورة الحفاظ على استقلالها.

عودة التدخل الصريح للدولة في إدارة شؤون الاقتصاد فيه الكثير من المخاطرة والمجازفات، فهي عودة صريحة للفساد وسوء الإدارة الحكومية التي تسببت في كثير من المآسي المعطلة للنمو والتطور، وتحول الكثير من الأجهزة الرسمية إلى مرتع للمحاسيب والأنصار، وفرص الكسب غير المشروع، لأنه في الأغلب تسعى الدول والحكومات وأجهزتها إلى اعتماد سياسات تعيين أهل الثقة وليس أهل الكفاءة في معظم المناصب، وخصوصا في دول العالم الثالث.

العالم الاقتصادي أمام تحدٍّ كبير وغير مسبوق للنهوض من أزمة اقتصادية كبرى وطاحنة لم يعرف مداها ولا حجمها إلى الآن، ولا يمر يوم إلا ظهر المزيد من الضحايا والنتائج السلبية المرعبة، وبالتالي مع كبر الأضرار السلبية تصبح الأساليب العلاجية المطلوبة أشد إيلاما وأكثر حدة.

تغنّى عبد الحليم حافظ إبان الحكم الناصري في مصر بأغنية «بستان الاشتراكية»، وذلك تمجيدا للثورة واستمرارا في مسلسل «غسيل الدماغ» الذي كان مطلوبا وقتها، ولكن يبدو أن هناك دولا أخرى حول العالم تتغنى بنفس اللحن والكلمات، ولكن لأسباب أخرى تماما.

تبقى مراقبة نتائج ما ستؤول إليه توابع الزلزال الاقتصادي الكبير، وخصوصا في هذه السنة.

[email protected]