الانتصار قسرا!

TT

هل هناك من يفرض عليه الانتصار؟ هل ينتصر الإنسان قسرا؟ هل ينتصر «غصبا عنه»؟ هل ينتصر جبرا؟ هل هناك جدل في الانتصار؟ هل هناك قولان في الانتصار؟ هل يختلف اثنان أو تنتطح عنزتان على الانتصار؟ هل هناك من يرفض الانتصار؟ هل هناك من ينتصر وهو لا يدري؟ هل يعقل أن يظن الإنسان واهما أنه لم ينتصر؟ أرأيتم أمة تختلف على الانتصار؟ هل يوجد في التاريخ معركة لم نعرف المنتصر من الخاسر فيها؟

ألف وثلاثمائة ضحية – جلهم من الأطفال والنساء والعزل - وخمسة آلاف جريح، ودمار همجي هائل لغزة، وبيننا من يصر على أننا انتصرنا! كيف تهون وتسهل علينا دماء هؤلاء الضحايا الأبرياء، ونقول بكل تبجح وانعدام للشعور والمسؤولية إننا منتصرون؟ أفهم أن يكون النصر سياسيا، لكن – حتى لو سلمنا جدلا بهذا الانتصار الوهمي - فالأطفال كانوا ثمنا باهظا لانتصار الساسة. والأبرياء كانوا وقودا لفرض حماس أجندتها على الساحة الفلسطينية، وإضعاف خصومها الفتحاوية. يا للعار! وأسفا على قوى تحقق انتصاراتها السياسية على حساب من لم يدخلوا في اللعبة السياسية أصلا. المعلومات تؤكد استحالة معرفة رقم الضحايا الحقيقي في غزة، فالدمار هائل، والضحايا تحت الأنقاض، ولن يعرف عددهم.

القسر في اللغة العربية هو الإكراه وفرض الشيء على من يرفضه. لاحظ الشبه بين كلمتي الفرض والرفض!! وقد رافق هذا الإكراه والقسر موجة من الترهيب والترغيب والتخوين والإقصاء والإبعاد والتهديد والوعيد والمزايدة. بدأها حسن نصر الله مع اندلاع المذبحة، من مكان ما في لبنان في سرداب تحت الأرض، وردد صداها خالد مشعل في مكان ما بدمشق. توعد نصر الله قناة العربية وخونها و«عَبْرَنَها» (نسبة إلى العبرية) لأن تغطيتها للمجزرة لم تأت على هواه، وأتبعها بالدعوة للانقلاب والفوضى في مصر، لأن موقفها يتعارض مع موقف حماس المتوافق مع موقف إيران. واستمر المسلسل:

كتاب كويتيون يتعرضون للتهديد المباشر وغير المباشر لأنهم كتبوا أن حماس تتحمل جزءا من المسئولية لما حل بالأبرياء. مجموعة جمعت تواقيع لطردهم من جمعية الصحافيين، وطالبت بمقاضاة كل من كتب ضد «المقاومة»، أي ضد حماس، أي اختلف مع الموقف الإيراني!

في المغرب، أصدر إرهابي، تلاحقه قوى الأمن ومطلوب للعدالة، فتوى بإباحة دم الفنان عادل إمام، وفي غزة نفسها، حماس تقتل عشرات ممن سمتهم «عملاء إسرائيل». الاتهامات من فتح أن حماس تصفي كوادرها، والرد من حماس مارسته الدكتاتوريات العربية وغير العربية على مر التاريخ: تصفية خصومهم بحجة الخيانة والعمالة للعدو!

يجب ألا يفهم أن المقصود هنا هو التلميح بتبرئة إسرائيل من المسؤولية، فلقد ارتكبت - ولا تزال - جرائم تقشعر لها الأبدان، ويجب ألا يفهم أن المقصود هو أن إسرائيل انتصرت في هذه المجزرة، فلقد مارست إسرائيل ما تمارسه آلات الجرائم ضد الإنسانية على مدى التاريخ، ولكن المقصود أن من يحتفل بالنصر الوهمي قسرا وجبرا وغصبا، إنما يحاول أن ينفي المسؤولية عنه في نتائج الجرائم، وليس في أسبابها ومرتكبيها، ويريد الاستمرار في بيع الوهم، تنفيذا لأجندة سياسية متوافقة مع أهدافه وأهداف غيره من قوى إقليمية في المنطقة.

العرب اليوم فريقان: فريق يفرض وهْم الانتصار، وفريق يبيع وهْم السلام. من يفرض النصر الوهمي سيعمل حتما على تكرار الدمار، ومن يبيع وهم السلام، لن يجد من يشتري بضاعته بفضل استمرار إسرائيل في ارتكاب الجرائم.

من معاني الجَبْر، الفرض قسرا، ومن معانيه أيضا، تجبير الكسور وجبر الخواطر. إجبار الناس على الانتصار في وقت هم أحوج فيه إلى تجبير الكسور والشروخ، لا يقل مسؤولية عن ارتكاب الجرائم في حقهم!