للأمام وللخلف دُر

TT

إليكم مشاهدات وآراء صحافي أوروبي زار بعض البلاد العربية سنة 1946 وخرج بانطباع فحواه: أن هذه المنطقة تسير قُدُماً للأمام، على حد تعبيره.

ويقول إنه شاهد الثورة الصناعية في حلب، وتحدث عن مصنع للنسيج يبلغ عدد أفراده 1200 عامل، وهو مزود بأحدث الآلات، ولعمال المصنع مطعم خاص، وحمامات رشاشة، ومستشفى، ونظام للمعاشات بعد اعتزال العمل، وعرف من صاحب المصنع أنه يدفع الضرائب للحكومة بانتظام، ومع ذلك فأرباحه مجزية.

ويمضي الصحافي قائلا: إن العالم العربي يجب أن يحسب له اليوم حساب، خصوصاً وقد شاهدت رجال أعمال ومهندسين ومحامين وأطباء ومعلمين، والطلاب هم أمل العرب.

كما أن هذه البلاد تسعى إلى إنشاء حكومات ديمقراطية قوية، وفيها برلمانات وانتخابات تتطور إلى الأفضل.

ورأيت عند أسافل نهر دجلة أراضي واسعة مجدبة قد عمها الري أخيراً وقسمت إلى مزارع، كل مزرعة مساحتها 85 فداناً، والحكومة تمنح المزرعة مجاناً لكل من يفلحها ويستثمرها ويعيش فيها، وبعد خمس سنوات تصبح ملكاً له، وللحكومة مزارع مثالية للتجارب، وتقدم من خلالها الخدمات للمزارعين من ناحية البذور والأسمدة، والتعليم والتدريب على وسائل الآلات الحديثة، بدلا من الحيوانات.

وفي مصر هناك عدة مشاريع شبيهة بذلك المشروع.

كما أن عرب فلسطين أخذوا يقسمون الأملاك الكبيرة إلى مزارع صغيرة يملكها صغار الفلاحين ويتعهدونها، ولبنان سنّ أخيراً قانوناً للتأمين الإجباري، وأرسلوا وفداً من الشباب إلى أميركا ليتعلموا أصول التأمين وأساليبه، حتى تضطلع به الحكومة اللبنانية، التي يسود التآلف والسلام بين طوائفها.

واستحدثت حكومة مصر مستشفيات متنقلة على سيارات فيها الأطباء والممرضات، يطوفون في القرى التي ليس فيها مستشفيات.

وفي فلسطين يوجد اليوم أكثر من 120 ألف تلميذ في المدارس، وفي مصر هناك جامعتان أنشأتهما الحكومة خلال 25 سنة مضت، أما العراق الذي يبلغ عدد سكانه خمسة ملايين نسمة، فكان فيه 25 مدرسة فقط لا يزيد عدد تلاميذها على ألف، أما اليوم ففيه عشرات أضعاف هذا العدد من المدارس.

وأنشأت مصر صندوقاً للعاطلين عن العمل، لكي تعين بماله ألوف العاملين، وثمة مشروع قانون بفرض ضريبة على الدخل لتنفق في مشروع طويل الأجل للإصلاح الاجتماعي، فهذا الشعور بالتبعية حيال الجماهير الفقيرة، لم يسبق له مثيل في الشرق الأوسط.

وقد تسنى لي أن أزور أسرة سورية في منزلهم، وأخذت أتجاذب أطراف الحديث مع رب الأسرة، وبعد قليل استأذنت زوجته لتحضر اجتماعاً للاتحاد النسائي للمطالبة بحق النساء في الانتخاب، وشاهدتها من خلال النافذة وهي تسوق سيارتها ذاهبة للاجتماع.

وبدون أي تعليق أقول: هذا هو كان حال بعض البلاد العربية في بعض جوانبها الحياتية المتحركة نحو التطور، فماذا حصل بعد ذلك؟! وهل لو أن تلك المسيرة التي كانت تتقدم ببطء وثقة، هل تلك المسيرة لو لم تعتورها تلك (الطفرات) العاطفية (اللاعقلانية) ـ التي تعرفونها ـ لكان الحال ليس كما هو عليه الآن؟!

إنه مجرد تساؤل، وليس تعليقاً.

[email protected]