السيدة الجميلة في غزة !

TT

الشائعة التي عاشتها شريحة من المجتمع الإسرائيلي بأن السيدة راحيل زوجة النبي يعقوب، وأم النبي يوسف، عليهما السلام قد ساندت الجنود الإسرائيليين في عدوانهم على غزة، وأنها كانت تظهر لهم فجأة في صورة امرأة طويلة، وجميلة ترتدي الزي الفلسطيني، وتحذرهم من أماكن الألغام، وأنهم حينما أمسكوا بها، وسألوها عن قصتها، قالت لهم: «أنا أمكم راحيل»، ثم اختفت، وما تبع ذلك من ادعاء حاخام الأشكيناز الأكبر، مردخاي إلياهو بأنه هو الذي بعث بها إلى غزة لمناصرة الجنود الإسرائيليين، شائعة على الرغم من سذاجتها فإن لنشوئها احتمالين لا ثالث لهما:

الأول أن تكون الشائعة من صنع المخابرات الإسرائيلية ذاتها، بعد أن كثرت الاحتجاجات على الحرب في داخل إسرائيل، واضطراب منطق الحكومة لتسويق الحرب بين الجنود وأفراد المجتمع، وبالتالي فإن إطلاق مثل هذه الشائعة يعد محاولة لإلباس هذه الحرب حلة الدين لكسب تعاطف المتدينين، وهي حيل مخابراتية معروفة، مورست على نطاق واسع من قبل مختلف الفرقاء إبان الحرب العالمية الثانية، وغيرها من الحروب لرفع معنويات المقاتلين من ناحية، ولممارسة الحرب النفسية على الخصوم من ناحية أخرى، واستخدام اسم راحيل في الشائعة لم يأت اعتباطا، فهي وفق المرجعيات الدينية اليهودية واحدة من الأمهات الأربع لليهود، وأنه بفضلها عاد اليهود إلى ما يسمونه أرض إسرائيل، وراحيل هي زوجة النبي يعقوب الثانية، وابنة خاله، تزوجها ـ حسب بعض الأقوال ـ بعد موت أختها «ليا»، وأنجبت له ابنيه يوسف وبنيامين.

الاحتمال الثاني: أن يكون الخوف قد سيطر على بعض الجنود الإسرائيليين كثيرا أثناء حربهم في غزة، نتيجة حدوث بعض المتغيرات في المواجهة، والمهتمون بالدراسات النفسية يعرفون ترابطات الاضطراب النفسي بالهلوسات السمعية والبصرية، وما تهيأ لبعض الجنود الإسرائيليين في حرب غزة من مشاهدات لتلك المرأة الطويلة الجميلة، وما جرى بينهم وبينها من محادثات لا تتجاوز أن تكون مجرد هلوسات سمعية بصرية لا وجود لها إلا في خيالاتهم المضطربة، والجمع بين الاحتمالين صحيح أيضا.

وفي النهاية يمكن القول إن اللجوء إلى سلاح الشائعة، يكشف المأزق الذي تعيشه إسرائيل، فالإسرائيلي العادي غدا يدفع أثمانا في الحروب الحديثة لم يتعود أن يدفعها في الحروب الماضية، وأصبح يستشعر مخاطر لم يكن يستشعرها في الصراعات السابقة، وقد تضطر هذه الحالة الزعامة السياسية إلى استحضار مختلف الحيل النفسية الاستخباراتية لتسويق مغامراتها، وتمريرها، ومحاولة تقليل حجم مخاوف أفرادها، وهذه الشائعات الساذجة ربما تكون آخر السهام في جرابها.

ولو قدر لنا أن نتخيل ـ مجرد تخيل ـ أن السيدة راحيل تنهض من قبرها لتحارب، فكلنا يقين بأنها ستختار أن تكون إلى جانب أرامل وأيتام غزة، فليس لزوجة نبي، وأم نبي، إلا أن تكون إلا مع المظلومين ضد الظالمين.

[email protected]