هجمة أوباما على المسلمين

TT

كنت كتبت مقالا خلال الحملة الرئاسية الانتخابية في الخريف الماضي خشيت فيه أن تتحول علاقة المرشح حينها باراك أوباما بالإسلام إلى عقدة تحول بينه وبين النظر الموضوعي إلى القضايا التي يكون العرب أو المسلمون طرفا فيها. السبب أنه كان يتحاشى حينها الحديث أو التعليق على جذور وتاريخ عائلته المسلمة.

لم أكن أعول على تعاطفه مع المسلمين لأن وظيفته الوحيدة خدمة مصالح بلاده، لكن بالتأكيد كنت أخاف أن يسبب الهجوم العنصري على اثنيته عقدة تدفعه للتحامل على العرب والمسلمين. فوزير الخارجية جورج شولتز، في عهد ريغان، شكك في سجله بعد تعيينه فقط لأنه سبق أن عمل مع شركة بكتل في المنطقة العربية، فكان مجحفا وقاسيا في تعاملاته كوزير مع الجانب العربي، بخلاف هنري كيسنجر الذي شغل المنصب نفسه في عهد نيكسون. فرغم خشية العرب من يهودية كيسنجر إلا أنه أبرم صفقة فك الارتباط مع سورية وأسس علاقة جديدة مع مصر.

لكن، والحق، أنني فوجئت بأوباما في لقائه التلفزيوني حيث تحدث طواعية عن أفراد من عائلته مسلمين، وأنه عاش في إندونيسيا المسلمة. لقد حول «التهمة» إلى «ميزة» للتواصل مع المسلمين، أنه كمسيحي أميركي ورئيس للولايات المتحدة لا يحمل ضغينة أو ثأرا ضد المسلمين، وأنه ينشد فتح صفحة جديدة معهم. وتجاوز ذلك إلى أخذ مواقف مختلفة عن سلفه جورج بوش. فقد اشتهر بوش بجملته الشهيرة، إما معنا أو ضدنا. أوباما صنف العالم إلى ثلاث فرقاء، إما في صفه، أو ضده كتنظيم القاعدة، أو فقط يختلف معه. أوباما حرص على القول إنه يفرق بين الذين يختلفون مع بلاده في المنطقة ليسوا بالضرورة أعداء. وسار مسافة أبعد من ذلك مادا يده إلى الإيرانيين، اليد التي لم تمد منذ عهد الرئيس جيمي كارتر، أي منذ ثلاثين عاما.

كان أوباما دافئا في حديثه تجاه مليار مسلم في العالم. لكن رغم لغته الودية، ونبرته الصادقة، والاستقبال الإيجابي لحديثه، إلا أن التواصل مع المسلمين قضية معقدة جدا. فالغالبية الساحقة من المسلمين لا علاقة لها بإرهاب «القاعدة»، بل تضرر المسلمون منها أكثر من الأميركيين وقبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر بسنوات، حيث سقط مئات القتلى جراء جرائمها في مصر والجزائر والسعودية. مشكلة الأميركيين خليط من التراكم الثقافي التاريخي وفوقه الدعاية السياسية الموجهة التي تجعل التصالح عملية صعبة. غالبية العرب والمسلمين مسالمة صامتة منشغلة بالبحث عن خبز يومها. أما الذي يسمع صوته عاليا فهو جماعات لن يستطيع أوباما مهما فعل مصالحتها، فهي جماعات لها حساباتها. فـ«الإخوان المسلمون» في مصر، على سبيل المثال، لديها مشروع وحيد هو الحكم في مصر، وستقف بخلاف النظام الرسمي في كل قضية وشأن عام، كأي معارضة. وهذا الموقف السلبي لا يخص المعارضة بل أيضا أنظمة متطرفة مثل النظام الإيراني، الذي يعتبر تغيير المنطقة مشروعه حتى لو كان ذلك من خلال تعميم الفوضى. إن المسلمين، كأي أمة أخرى في العالم، ليسوا متفقين على كل الموضوعات ولا على قيادات بعينها، وبالتالي فان التعامل مع مليار من المسلمين أكثر تعقيدا من التعامل مع مليار صيني تديرهم قيادة واحدة ومشروع واحد.

[email protected]