الانتصار والإعمار.. بين الواجب والابتزاز

TT

منذ بروز علامات الانتصار، بعد أن تبين جليا صمود المقاومة، بدأ الذين أرادوا إقصاء المقاومة وحركة حماس عن الخارطة بالعمل فورا عبر بوابة إعادة إعمار القطاع. لا سيما أنهم أدركوا أن إحدى أهم وسائلهم التي أرادوها، وهي انسلاخ جماهير الشعب الفلسطيني من حول المقاومة وحماس وانقلابهم عليها، قد فشلت.

بل نقول إنه بعدما رأوا أن عكس ما أرادوا هو ما تم، حيث توسعت القاعدة الجماهيرية الملتفة حول المقاومة وحماس، بدأوا هم بالانتقال إلى الخطوة التالية من العدوان الدولي الإقليمي الصهيوني على قطاع غزة، وحتى قبل أن تكون الخطوة الأولى قد أنجزت أهدافها.

لكن ما هي هذه الخطوة التالية؟ الإجابة جاءت على لسان مسؤول صهيوني، حيث عبر عن ضرورة استخدام رافعة البناء لتحقيق عزل حماس وإقصائها، بدلا من الدبابة التي مهدت الطريق لهذه الرافعة. والمطلوب هو استخدام هذه الرافعة كوسيلة إغراء للجماهير، من أجل أن تنفضّ من حول المقاومة وحماس.

هذا الأمر هو فعلا ما بدأنا في سماعه فورا منذ بدء الحديث عن مساعي وقف العدوان من قبل الذين شاركوا في العدوان أصلا، تخطيطا أو دعما وتشجيعا أو تنفيذا على حد سواء.

إذن ومن هنا نستطيع أن ندرك أن كل الأحاديث حاليا حول الإعمار وآليات وسبل تنفيذه، ومن يتسلم ويشرف وينفذ. ما هي إلا «معركة مفتعلة» ذات أهداف وأبعاد سياسية مبرمجة، تسعى لاستكمال أهداف العدوان وتحقيق ما فشلت فيه الدبابة الصهيونية، من خلال استخدام قضية نصرة وعون وإغاثة أهل قطاع غزة، كوسيلة لإقصاء حماس والمقاومة وفرض السيطرة على القطاع لتمرير مشاريع تصفية القضية.

إنهم الآن يعلنون عن مؤتمرات «مؤجلة» لإعمار غزة، وذلك حتى يبقى الشعب الفلسطيني يعاني المزيد من الآلام، لضمان ابتزازه بالإغراء هذه المرة كي ينفضّ من حول المقاومة وحماس والحكومة الوطنية الفلسطينية.

وما يدعو للعجب أن هناك من بات الآن حريصا على الوحدة الفلسطينية، فهذا هو بلير ممثل الرباعية يعلن صعوبة تنفيذ مشاريع الإعمار دون تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية، رغم أنه يمثل من يعتبرون حماس إرهابية، ويشترط للتعامل أو الاعتراف بها اعترافها بالكيان الصهيوني حتى قبل إجراء أي حوار وطني. أمام كل ذلك تبين بكل وضوح أنه لا عقبات مهنية إدارية تحول دون وصول المساعدات وبدء عملية الإعمار وإزالة آثار العدوان، وإنما هناك عقبات سياسية تستهدف ابتزاز المقاومة وحماس، وتستهدف ابتزاز الشعب الفلسطيني المجروح، واستخدام آلامه ومعاناته لإجباره على الانصراف من حول المقاومة وحماس.

هذه الصورة الواضحة البشعة للراقصين على الجراح وآلام الشعب البريء الجريح، هي التي تحول دون وصول الإمداد الغذائي والطبي للقطاع، وتتسبب في موت المزيد من النساء والأطفال والآمنين من المدنيين.

هذه الصورة التي يؤكدها الواقع بكل وضوح، وإبقاء المعونات مكدسة على حدود القطاع، وعدم إدخال إلا اليسير اليسير منها عبر القطارة، ما هي إلا إمعان في إبقاء معاناة شعبنا في غزة متواصلة.

إنهم يحاولون أخذ المواقف بهذا الأسلوب الرخيص الذي يساوم شعبنا بين الموت نزيفا وجوعا، أو انسلاخه من حول المقاومة وحماس.

ولكن في مقابل هذه الصورة نجد صورة أخرى معاكسة لهذه الصورة القاتمة، إنها الصورة التي تعكس موقف الحكومة الفلسطينية والمقاومة الفلسطينية وحركة حماس وقوى المقاومة، صورة بدأنا نلمسها ونشاهدها في الميدان، وتسعى للتخفيف عن أبناء الشعب الفلسطيني ومساعدته وحفظ كرامته وإنسانيته، عبر توفير ما أمكن من حاجاته ولو الأساسية منها.

صورة تعلن حرصها على أن تتم عملية الإعمار وإزالة آثار العدوان في أسرع وقت، ومن أجل ذلك هي مستعدة حتى للتنازل عن حقها كعرف دبلوماسي إداري، والقبول بأي آلية يقررها العرب أو المتبرعون، مع استعدادها لتقديم كل العون لذلك.

ولم يضع أصحاب هذه الصورة أي اشتراط أو أي عقبة أمام ذلك، وكل ما دعت إليه الحكومة الفلسطينية ممثلة في رئيسها الأستاذ إسماعيل هنية وحركة حماس، هو ألا تصل هذه الأموال أو تسلم عملية الإشراف على هذا الإعمار إلى من لا يوثق بأمانته واستقامته.

* عضو القيادة السياسية لحركة حماس