في أثناء الحروب وما بعدها ينتاب الأفراد - وبخاصة الأطفال - العديد من المشاعر والأحاسيس والآثار والاضطرابات والصدمات النفسية المؤلمة كالاكتئاب والخوف والقلق والذعر والهلع والغضب والحزن والكوابيس الليلية وعدم القدرة على النوم والتبول اللاإرادي، وغيرها، التي تؤثر في مجملها على الصحة النفسية للفرد وتتطلب الدعم النفسي العاجل وبخاصة للأطفال لإعادة التوازن والتأهيل النفسي للفرد.
وأحداث غزة، وما يصاحبها من مشاعر مؤلمة ناتجة عن رؤية ومعايشة صور الدمار والخراب والقتلى والمصابين، تترك آثاراً نفسية على الأفراد وبخاصة الأطفال، تتراوح درجة شدتها وخطورتها بقدر استيعاب ووعي الأسرة لكيفية مساعدة أطفالهم على تجاوز هذه المشاعر والصدمات النفسية التي تسببها الصور والمشاهد والخبرات المؤلمة التي مروا بها خلال هذه الأحداث، فمعايشة خبرات الحرب وما يصاحبها من صور ومشاهد مؤلمة سوف تترك آثاراً نفسية على الأطفال لا تزول بانتهاء الحرب، بل ستظل كامنة لتظهر لاحقاً في صورة العديد من ردود الأفعال النفسية غير السوية.
والأثر النفسي للحرب لا يقتصر فقط على من عايشها، وإنما قد يمتد أيضاً لكل من يشاهد صورها المؤلمة – وبخاصة على الفضائيات- من دمار وخراب وقتلى ومصابين.
طبقاً لدراسة جامعة «كوينز» الكندية Queen’s University عام 2006، التي قام بها الباحث «جون برنجل» John Pringle عضو المنظمة الطبية الإنسانية الدولية «أطباء بلا حدود» Doctors Without Borders (MSF) التي تأسست عام 1971 في بروكسل ببلجيكا، والحاصلة على جائزة نوبل للسلام عام 1999، فقد جاء في نتائج هذه الدراسة أن أنماط العنف ضد الأطفال الفلسطينيين في غزة لها تأثيرات نفسية خطيرة عليهم، من بينها الاضطراب الانفعالي، واضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة Attention Deficit Hyperactivity Disorder (ADHD)، واضطراب ما بعد الصدمة Post Traumatic Stress Disorder (PTSD).
أطفال الحروب، وبخاصة أطفال أحداث غزة، بحاجة ماسة الآن للدعم النفسي من الأطباء النفسيين وخبراء الصحة النفسية والإرشاد النفسي، من خلال قوافل للرعاية النفسية، مع ضرورة الإسراع في إعداد دورات وورش عمل وبرامج إعلامية للرعاية النفسية لتدريب المتطوعين ومساعدة الأهل والأطفال وتعليمهم أساليب وكيفية تقديم الدعم النفسي المطلوب للأطفال لاحتواء الآثار النفسية للحروب والتخفيف من ردود أفعال الأطفال السلوكية والنفسية غير السوية الحالية والمستقبلية.
* كاتبة وباحثة مصرية في الشؤون العلمية