من فصل غزة إلى تكسير المنظمة

TT

في ذروة القصف الإسرائيلي على غزة عبّرت سيدة عادية عن شعورها، حيث قالت للمذيع الذي استعجل وأشاد بصمودها: «كل ما أتمناه يا أخي هو أن أنتقل إلى الضفة الغربية وأعيش تحت حكم محمود عباس». صمودها صمود كل أهالي غزة، صمود الإنسان الصابر عديم الحيلة، حيث إن أحدا لم يسألهم إن كانوا يوافقون على ممارسات حماس أم لا، خاصة أنهم الذين دفعوا ثمنها بأطفالهم وعيشتهم القاسية.

ولا أستغرب إن كان ما قالته السيدة هو شعور الغالبية الساحقة من الغزيين الذين صاروا فئران تجارب لسياسات حماس، التي هبطت بشعارها من «رفض المساومة على المقاومة» إلى «القبول بالتهدئة بشروط» فتح المعابر، ورفع الحصار، ووقف العدوان. للإحاطة كانت هذه الشروط هي وعود إسرائيلية في الأصل، فقد كانت إسرائيل تهدد حماس بأنها إن أطلقت صواريخها ستعاقب كل غزة بحرمانها من الإمدادات مثل الوقود، وستغلق المعابر، وستعود عسكريا إلى غزة التي خرجت منها بشكل كامل. الآن حماس بعد الحرب تقول إنها مستعدة للتنازل مقابل الشروط الثلاثة، لكن تزخرف ذلك بلغة فخمة مثل «ترفض» و«تهدد».

واللغة كما تعودنا لا تعكس الواقع كما هو، فكلمة «انتصار» صارت كلمة مبتذلة منذ هزيمة 67، حيث عاش العرب فترة طويلة لم يعرفوا أنها كانت هزيمة، وتتالت الهزائم ولم يملك أحد الشجاعة ليعترف بحقيقتها. ولا بد أنكم تذكرون كيف احتفل صدام حسين بأم المعارك في عام 91، رغم أنه هُزم في الكويت بشكل علني وفاضح. واليوم أقرب الناس إلى حماس يجاملونها بترديد كلمة «انتصار» التي تحاول إقناع البعيدين بها.

والمشكلة في نظري ليست في تزوير المعاني للنتائج، بل في الأفعال الخطرة اللاحقة التي يحاول الفريق الجريح تعويضها، كما فعل صدام في جنوب العراق بعد هزيمته في الكويت، وكما فعل حزب الله عندما احتل بيروت الغربية بعد هزيمته في حرب إسرائيل على لبنان قبل ثلاث سنوات. الآن نرى أن حماس تهدد وتتوعد حركة فتح ومنسوبيها في غزة، ثم تعلن أنها تعمل على اختراع منظمة بديلة لمنظمة التحرير الفلسطينية.

وكأن حماس لا يكفيها أنها تجرأت وفككت التراب الفلسطيني ففصلت غزة عن الضفة، وانقلبت على السلطة الفلسطينية، وهي اليوم تعلن بلا خجل أنها تريد هدم منظمة التحرير الفلسطينية وتأسيس منظمة بديلة. ونحن نحاول أن نفهم لماذا هذه الخطوة المريبة؟ هل قررت حماس تحاشي مواجهة العدو مع قدوم أكثر السياسيين الإسرائيليين شرا، وهو بنيامين نتنياهو، والتوجه إلى النزاع مع منظمة التحرير وفصائلها؟ هل ما قالته السيدة الغزية من أنها تتمنى أن تنتقل للعيش في الضفة وتحت حكم السلطة الفلسطينية، يمثل الرأي العام الواسع في غزة، وبالتالي تريد حماس نقل مشكلاتها إلى رام الله وتخريب حياة الفلسطينيين هناك؟

أي منظمة جديدة لضرب منظمة التحرير ستظهر حماس كأداة تريد شق للصف الفلسطيني بشكل أكثر وضوحا من السابق.

[email protected]