قوة الاقتراع

TT

لم يكن مارتن لوثر كينغ، الذي ولد منذ 80 عاما، ليتهاون أمام أية فكرة تشير إلى أنه على السود أن يؤجلوا مطالبتهم بحقوق التصويت، مع الاهتمام بقضايا أخرى، مثل الأجور المنخفضة، أو وحشية الشرطة. كان قادة الحقوق المدنية يعرفون جيدا أن القوة السياسية شرط أساسي لإصلاح تفاوت مستويات الدخل، وإنهاء الظلم، ومعالجة الصعوبات التي يواجهونها. ولكن يبدو أن إدارة أوباما تميل، في سياستها الخارجية، إلى الفلسفة التي تقول: إن أصوات الناخبين مهمة، ولكنه ربما لا تكون بنفس أهمية التنمية الاقتصادية، أو حقوق المرأة، أو القضاة المخلصين. وسيؤدي تبني هذه الفلسفة ـ كسياسة أميركية ـ إلى خطأ فادح في أمن أميركا ومكانتها الأخلاقية. لقد أغضب الرئيس بوش العديد من الأميركيين، وخاصة الكثير من الديمقراطيين، في ترويجه للديمقراطية. لقد اتخذ تطبيق الديمقراطية بعد وقوع الحدث كذريعة للحرب، عندما لم يجد أسلحة دمار شامل في العراق؛ وتخلى عن الديمقراطيين في مصر ودول أخرى، بعد وعوده المبالغ فيها في خطاب تنصيبه في عام 2005، من أجل نشر الحرية في جميع أنحاء الكرة الأرضية؛ وخان المثل الليبرالية العليا في معاملة أميركا للمعتقلين الأجانب. لذا، ربما لا يكون من المفاجئ أن وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، في بيان افتتاحي طويل في جلسة الاستماع للتصديق على تعيينها، تحدثت عن كل هدف ممكن تخيله، فيما عدا دعم الديمقراطية. لقد تحدثت عن إقامة تحالفات، ومحاربة الإرهاب، ووقف انتشار الأمراض، ودعم حقوق المرأة، وزيادة الرخاء، ولكنها لم تذكر كلمة واحدة عن الانتخابات، أو حقوق الإنسان، أو الحرية، أو الحكم الذاتي. وإذا اتبعت سياستها هذا النهج، فلن تكون مختلفة كلية عن بوش فحسب، ولكن أيضا عن التقليد الأميركي الذي يعود إلى مَنْ كان قبله. لذا، عندما زار باراك أوباما البوست، سألته عن موقع دعم الديمقراطية في إدارته. وكانت إجابته، بلا تردد، تشير إلى أنه يفهم الأمر جيدا: «حسنا، أعتقد أنها يجب أن تكون في محور سياستنا الخارجية. إنها تعبر عن هويتنا. وهي من أفضل صادراتنا». ولكن استطرد أوباما بقوله «إن بوش ساوَى ـ على نحو خاطئ ـ بين الديمقراطية والانتخابات». وأضاف أوباما إن القضية الأولى «هي التحرر من الحاجة، والتحرر من الخوف. إذا لم تكن الشعوب آمنة، وإذا كانت الشعوب جائعة، ربما تتناول الانتخابات هذه القضايا، وربما لا، ولكنها ليست الغطاء المناسب».

الانتخابات ـ في حد ذاتها ـ لا تضمن التقدم. هذا حقيقي؛ فكان الاتحاد السوفياتي يعقد انتخابات منتظمة، ولكن الأرجح أن تعاني شعوب من الجوع وانعدام الأمن في ظل الأنظمة الديكتاتورية أكثر من الأنظمة الديمقراطية. وكما أكد أمارتيا سن الاقتصادي الفائز بجائزة نوبل: «لم تقع مجاعة كبرى في أية دولة مستقلة وديمقراطية تتمتع فيها الصحافة بحرية نسبية». وقد أظهر دارسون آخرون أنه، في المتوسط، لا تضحِّي الأنظمة الديمقراطية بشيء في طريقها إلى تحقيق التنمية الاقتصادية، وهي في الحقيقة تنمو أسرع من الأنظمة الديكتاتورية، إذا استبعدنا الصين من هذه المقارنة. وعند مقارنة مستويات الدخل؛ نجد أنها توفر رخاء أكبر لمواطنيها.

ويمكن أن تصاب الأنظمة الديمقراطية أو الديكتاتورية ببلاء الفساد.ويموت الناس جوعا في كوريا الشمالية بسبب كيم جونغ إل، وهي ليست أرض جدباء؛ ويموت آخرون بسبب الكوليرا في زيمبابوي، بسبب إساءة حكم روبرت موغابي، والمنح التي تصل لتحسين إمدادات المياه لن تساعد، طالما أنه باق في الحكم. وتعد المؤسسات مثل الصحافة الحرة والقضاء المستقل، كما أشارت كلينتون، مهمة، ولكن إذا أُجِّلت الانتخابات حتى يسمح الحكام المستبدون بظهور مثل تلك المؤسسات، فسوف تنتظر في معظم الدول إلى الأبد.

وفي النهاية، نظرا لاستيعاب باراك أوباما للعالم، ودور أميركا الأخلاقي فيه، أعتقد أنه سيضع الحكم الذاتي في قائمة الأولويات، وسيكون متأثرا بالأبحاث التي توضح أن أداء الأنظمة الديمقراطية يتحسن إلى الأفضل على المدى البعيد؛ ليحقق الرخاء والسلام، ولكن هناك تأثيرا أكبر، وهو: كرامة الإنسان. يريد كل إنسان، سواء كان غنيا أم فقيرا، أن يكون له رأي في حكومته. وهو يستحق ذلك بالفعل، ولن يقبل سوى عدد قليل للغاية ـ طواعية ـ بتأجيل التمتع بهذا الحق الطبيعي، بغض النظر عن مدى حسن النية الكامنة وراء ذلك.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ «الشرق الأوسط»