الانتخابات العراقية المحلية: حزمة اختبارات

TT

أهمية الانتخابات المحلية (للمحافظات ) في العراق يفترض أن تكون محدودة واقل إشغالا وجذباً لكونها «محلية» لذا فإن اللافت التركيز عليها والحث على المشاركة، وما لم يتأت مما للحكومات المحلية من أدوار متنامية كونها تتعامل بالأمور الحياتية والمباشرة للمواطن، أو لسهولة مراقبتها وتقييم أدائها ومحاسبتها، حيث كما يقال المواطن يعرف أين يسكن أعضاء حكومته المحلية، ولم تتأت من الصلاحيات الواسعة التي ستدفع لها لتقليل بيروقراطية وهيمنة المركز، بل ان مرد الاهتمام جاء من كونها تمثل حزمة من الاختبارات، فابتداءً سينظر إلى حجم المشاركة كمعيار كاشف إلى أي الكفتين الغلبة، الإحباط والعزوف والمقاطعة واللااكتراث بسبب من سقف الأماني التي عولت على تحسن ومنجز تحققه القوى التي انتخبت أو إلى رفاه وخدمات تجلبها، فاقم الإحباط الكم الكبير من النقد الذي وجه لها بالتردي بالأداء واستشراء للفساد والانشغال بالذاتي على العام، أو أن ترجح كفة المشاركة المدركة بأن إرادة التغيير لا سبيل ولا صانع لها إلا يد الناخب وأن لا خيار غير المسار الديمقراطي.

والاختبار الآخر هو حول تفضيلات الناخب وهل إن التجربة وما شابها من إخفاقات ستضعف التيار الإسلامي لمصلحة العلماني او الحزبيين لمصلحة المستقلين أو ستعطي تفوقا للقوى والكيانات الصغيرة على حساب الكبيرة، إن ما أرجحه أن لا تغيير دراماتيكي سيطرأ، حيث سيكون تحرك الخارطة بين أطرافها الأساسية وليس لمصلحة من هم في خارجها، أي أن خسارة تيار إسلامي ستصب في مصلحة آخر، فالقوى العلمانية وان بدت خياراً جذاباً عند النخب إلا أنها لم تصل ذلك عند من يقررون نتائج أي انتخابات وأعني بالطبع الجمهور الأعظم.

لاشك ان كمية الضوء والإثارة تزداد عند تلاقي أو انعكاس هذه الانتخابات على الحكومة، حيث يلحظ أن القيادات السياسية الأساسية نزلت بثقلها وقادت الحملات الانتخابية رغم أنها محلية وليست عامة، وهي اختبار في ساحتين لكل حزب في الآن نفسه إذ يتصارع على صعيد تمثيل المكون الذي ينتمي إليه وعلى الساحة الوطنية بان يحصل له على حيز فيها ليثبت بان له القدرة على الاستقطاب الوطني وبأنه يمثل مشروعاً عابراً للطوائف وبالتالي الأقرب لاستحقاقات حكم التنوع العراقي، حدة الاهتمام زادها استبطان الانتخابات لمعركة رئيس الوزراء المالكي مع خصومه ومنافسيه حيث اعتبرها استفتاءً على حكمه وعلى برامجه، القاضية بتثبيت دعائم دولة القانون، وتعزيز وتقوية المركز في نزاع الصلاحيات مع الأقاليم، وفي إجراء التعديلات الدستورية القاضية بذلك، وبمد الدولة وجعلها إطارا جامعاً وبالتالي هو بجانب الرمزية المكتنزة التي اعتمدها في تسمية قائمته «دولة القانون» فإنه يركز على تحسن الوضع الأمني وتوفير الخدمات الأساسية وفرص العمل ومحاربة الفساد متجنباً، رغم مرجعيته الإسلامية، الرسائل الدينية الواضحة والصريحة لإضفاء الصفة الوطنية الجامعة لمشروعه وحكمه من جهة ولتجنب منافسة خصومه الأقوى؛ المجلس الإسلامي الأعلى، فيما يحسنونه من استثمار الرموز الدينية وبما يحملونه من ارث ديني كبير من جهة أخرى، هادفاً قلب خارطة التمثيل الحالية التي يسيطر فيها المجلس الإسلامي الأعلى على سبع من المحافظات التسع في بغداد وجنوبها بغية إيجاد حكومات محلية وقاعدة من السياسيين المحليين المنسجمين مع رؤيته للمرحلة القادمة، التي يريد أن يكون رجلها، متكئا على ما أشاعه من كونه قائداً وطنياً وليس طائفياً تصدى عسكرياً وأمنياً لأقرب حلفائه من جيش المهدي المرتبطين بالتيار الصدري، مناغماً المخيال الشعبي الواسع الحان للرجل القوي المعيد للحكومة المركزية هيبتها بعد أن تم التمدد عليها أفقيا وعمودياً، اللامتردد بالضرب بقوة على حد سواء لخصومه وحلفائه المقوضين لسلطة الدولة، والمعول على دعم الشارع بدل الركون إلى التوافقات السياسية، وهذه الأخيرة تحديداً، أي إن يتبلور كرجل المرحلة أو الرجل القوي، هي ما جمعت خصومه ومنافسيه وكانت نقطة الالتقاء ضده، بكونه يتحول إلى مشروع «دكتاتور» وانه يوظف إمكانات الدولة للتجديد لدورة ثانية لحكمه.

فهم وان خاضوا اليوم معركة ضارية سياسية في هذه الانتخابات، إلا أنهم مع خشيتهم مما يصفونه بطموحاته فإنهم غير قادرين على مد كسر العظم للإطاحة به لقطع طريق ذلك، إذ وان بدا نظرياً يسيراً، حجب الثقة عنه، إلا أن ذلك من الناحية العملية ولتعقد الوضع العراقي ومداخلاته الدولية والإقليمية هو اقرب إلى الاستحالة، فعلى الصعيد الداخلي إن حجب الثقة ومعركة الإطاحة بحاجة إلى شرعية شيعية وهذه لن تتوافر حتى وان كانت مرارة بعض الأطراف الشيعية تفوق الآخرين، ثم إن الذي سيثبط الجميع ويمنعهم هي مسألة اختيار البديل، حيث يلحظ أن اختيار بديل لرئيس البرلمان قد أدى لازمة مفتوحة وان احتملت لرئيس السلطة التشريعية فبالقطع احتمالها مستحيل لمركز رئيس الوزراء، إذ إن ذلك سيفضي إلى الفوضى، وهذا هو الخوف الأكبر الذي يمنع الأطراف من تجريب معركة الإقالة خشية من ارتداد ذلك على كامل الوضع الأمني، وهذه هي تحديداً مخاوف الأميركيين الذين يريدون وضعا مستقرا يسهل لهم الخروج ويخفف الأعباء تدريجياً وبالتالي سيمنعون حدوث هكذا إعصار سياسي بالضغط على الأطراف للحفاظ على الوضع الراهن، خصوصاً وان هذا العام المتبقي يختزن استحقاقين انتخابيين واستفتاء على الاتفاقية الأمنية يحرصون على إتمامها.

مما تقدم يبدو جلياً أن المالكي بات بالنسبة للأطراف المناوئة له والمنافسة خيار الاضطرار وليس الضرورة، لذا فاختباره الأهم أن يتحول إلى خيار الضرورة.