تنتالوس: أسطورة العذاب الأبدي! (1 ـ 3)

TT

ينقصك الكثير جدا إن كنت لم تقرأ الأساطير الإغريقية، فهي أمتع وأعمق وأروع ما ابتكر الإنسان.. فأبناء الإغريق صنعوا آلهتهم وأبطالهم وأجلسونا أمامها في ذهول: نتعلم ونفهم ونفكر..

وقد تأثرت طوال حياتي وفى كل ما كتبت (187 كتابا) بالأساطير الإغريقية.. وحاولت أن أفلت من قبضتها الساحرة فلم أستطع.. ويسعدني ذلك..

اخترت أسطورة تنتالوس: هو فتى حكمت عليه الآلهة بالعذاب. أما عذابه فقد وضعوه في بحيرة من الماء العذب. وحكموا عليه بالعطش أبدا. فأوقفوه في البحيرة وجعلوا الماء يرتفع حتى شفتيه فإذا انحنى يشرب انحسر الماء أبدا!

ووضعوه عند سفح الجبل وجعلوا الصخور تتساقط من الجبل ويكون لها دوي رهيب. وتسقط وتقف على ارتفاع ملمتر من رأسه.. ثم تعود أبدا!

ووجدت أن هذه الأسطورة الجميلة تنطبق على حالي. فأنا محكوم عليّ بالأفكار الشاقة المؤبدة. لا أكاد أقترب من فكرة وأتوسل إليها وأرجوها وأبكي عند قدميها حتى أفاجأ بأنها كأنها حمامة طارت من عشها.. وتعود وأعود..

وكان أستاذنا العظيم الفيلسوف الألماني الوجودي هيدجر يقول: إنني أركع وأبكي عند قدمي معبودتي لعلها تجود عليّ بشيء.. ولكنها لا تفعل..

أما معبودته فهي (الحقيقة)!

والفيلسوف متواضع جدا، فقد كشفت له معبودته عن كثير من أسرار الوجود.. وهذه الأسرار هي مصدر عذابنا.. وكلما حاولنا أن نفهم وأن نشرح لغيرنا.. فإننا لا نجدها.. وإن وجدناها فقليلا.. فقد حكمت عليها الفلسفة ونفذت حكمها. وكان قاسيا.. فلا نكاد ننحني نرتشف حتى تنحسر ويظل الأمل وهما، ويبقى الوهم هو كل ما لدينا من معرفة!