زعامة الصوت

TT

أعود مرة أخرى إلى مذكرات مغنية اليونان، نانا موسكوري. أعود وأنا غير مصدق ما أقرأ. هذه السيدة التي هزت مسارح العالم وباع «ألبومها» 17 ألف نسخة في ربع الساعة، وتعاونت عشر شركات موسيقية عالمية على طبع إحدى مجموعاتها لكي تتمكن من تلبية الطلب المذهل في أنحاء العالم، هذه السيدة من هي مطربتها المفضلة، أو الطاغية؟ أم كلثوم.

وهناك ما هو أكثر. تروي في مذكراتها أنها تعرفت ذات يوم من 1978 إلى بوب ديلان، أشهر مغني أميركا الشباب تلك المرحلة. وعندما قدمت إليه لم تصدق. كانت تقدم إحدى حفلاتها في مونتريال، وجاء إلى غرفتها في المسرح من يقول لها: بوب ديلان هنا. ويريد مقابلتك. واعتقدت الأمر مزحة.

لكن ديلان ما لبث أن أطل. وأخذت تعدّد له الأغاني التي تنشدها له، وخصوصا «مطر غزير سوف يهطل». ثم سألها عن أهم المغنيات والمغنين بالنسبة إليها، فقالت، إيللا فيتزجيرالد، بيللي هوليداي، هاري بيللافونتي، وخصوصا، بالتأكيد، ماريا كالاس.

واستوقفها سائلا: من تكون هذه؟

وذهلت. وقالت:

* ألا تعرف ماريا كالاس؟

ـ لا. لم أسمع بها من قبل.

* إذن دعني أقول لك من هي.

إنها أعظم مغنية في العالم. الأعظم موهبة، الأطيب قلبا. لقد كانت (توفيت قبل عام) يونانية هي أيضا. وذلك الجزء من روحها أحمله في قلبي مدى الحياة.

ـ ومن أيضا تحبين؟

* أم كلثوم.

ـ آه، الأمر مختلف هنا. إنها مطربتي المفضلة. إنها الأعظم.

كان بوب ديلان يومها مطرب «الشباب» حول العالم. وكان الجيل الشاب في العالم العربي قد بدأ يتخلى عن أم كلثوم. وبعض الكتاب والنقاد كانوا يقولون له إنها سبب النكسة التي حملت للجميع إلا للمسؤولين حقا عنها.

وإذا كان يمكن أن يخطر في بال أن مغنية اليونان تعتبر أم كلثوم مطربتها الأولى، فمن كان يمكن أن يخطر له أن المغني «الثوري» بوب ديلان يعتبرها «الأعظم»؟ لعل محمد عبد الوهاب أعطى «الست» الوصف الأكثر دقة عندما قال إنها «زعامة الصوت».