قسمة 1 على 11

TT

يقول المثل: «لا تقول للعاشق إلا زد»، أي أكثر من عشقك، إذ من الصعب أن يكف العاشق عن هواه، وأن يكبت جماح مبتغاه، ولخبراء العشق قولهم: «لا تعذل المحب في ما يهواه، حتى تطوي القلب على ما طواه»، على غرار قول المتنبي عن الشوق والمشتاق:

لا تعذل المشتاق في أشواقه

حتى يكون حشاك في أحشائه

والعشق الذي أتحدث عنه هنا من أخطر أنواع العشق، وأكثرها فتكا بالجيوب، وبالقلوب، وهو عشق الكرة، هذه الساحرة المستديرة، التي دفعت قبل أيام بناد سعودي لأن يتم صفقة مع لاعب برازيلي واحد بقيمة 139 مليون ريال سعودي، أي نعم 139 مليون ريال سعودي بالتمام والكمال.

هذا الرقم في عالم الكرة رغم أنه الأعلى والأغلى عربيا، فهو لدى الذين يعشقون الكرة لا يتجاوز أن يكون عربون محبة، وإثبات عشق في حضرة هذه الساحرة، المثيرة، الأثيرة كرة القدم، وأنا لا ألوم أحدا على هذا العشق، فـ«للناس في ما يعشقون مذاهب»، فإن كان هؤلاء قدموا ملايينهم فإن كاتب هذه السطور قدم ثلث عمره ركضا خلف هذه الكرة في «برحات» جدة، وملاعبها، دون أن يحصل على بلح الشام، ولا عنب اليمن، وخرج من ركض الأعوام، وقد أضاع خفيه، وخفي حنين.

139 مليون ريال، أخال هذه الملايين مقبولة، ومعقولة بالنسبة للأندية الكروية العالمية الكبيرة لأنها تمتلك الكثير من الإمكانات، وقد فرغت منذ زمن طويل من تكوين بنيتها الأساسية، لكن أنديتنا السعودية ـ التي دخلت عصر الاحتراف قريبا ـ لم تزل تفتقر إلى الكثير من الأساسيات، وفي مقدمتها الرعاية المنهجية المكثفة بصفوف الناشئين، والتخطيط لاستقلالية الأندية في المستقبل دون اتكاء على الداعمين، ومثل هذا المبلغ الكبير لو استثمر في مجالات تدريب الناشئين لأنتج لنا دون شك فريقا من اللاعبين، لا تقل مستويات بعضهم عن مستوى اللاعب البرازيلي، صاحب الحظ والنصيب، الذي يمكن تقدير قيمة عقده ـ بالورقة والقلم ـ بأنه يساوي عقود 7 لاعبين أمثال «نور» الاتحاد، و«محياني» الوحدة، كما أن قيمة عقده تشكل فرقة كاملة من 11 لاعبا، يحصل خلالها كل لاعب على 12 مليونا، ويمكن جمع الكسور المتبقية من قسمة الملايين لإنفاقها على المدرب، والاحتياطيين، وحتى فقراء المشجعين.

لا ألوم أحدا على إنفاق هذا المبلغ الكبير في صفقة واحدة مع لاعب واحد، فالآنية، أو سيكولوجية اللحظة الحاضرة تمثل النزعة المهيمنة في ساحة الكرة، حيث الكل يريد أن يحقق الفوز الآن، والجميع يريد تحقيق البطولة الآن، والجمهور سيحاكمك على نتائجك الآن، عملا بالقاعدة «الخيامية» الشهيرة: «غدا بظهر الغيب واليوم لي».

ولله أمر مستقبل أنديتنا.

[email protected]