هلب يورسلف!

TT

اعتاد القوم في المدن الأوروبية على عرض الفائض عن حاجتهم للجمهور مجانا. هكذا ترى أكواما من التفاح أو الكمثرى مكدسة على الرصيف أمام البيت مع بطاقة تقول «هلب يورسلف»، ساعد نفسك وخذ ما تريد.

مرت أيام دون أن يعبأ أحد بها حتى وجدت الأولاد يلتقطون التفاحات ويتقاذفون بها كما كنا نفعل بكرات الجرائد وبأفكارنا الوطنية. تذكرت كيف قضيت حياتي في العراق والطماطم والفاصوليا والباميا مقننة والناس تتخانق عليها في الأسواق.

رغم كل هذه الأزمة الاقتصادية، ما زال الناس يصرون على تغيير أثاث البيت كل ثلاث أو خمس سنوات. يرمون بالأثاث السابق على الرصيف وينتظرون من الزبال أن يأخذه مع بقية القمامة اليومية. كذا يفعلون مع التلفزيونات والراديوات والمسجلات العاطلة. لا أحد هنا يعبأ بتصليح الخربان. بيد أنهم أخذوا يفعلون ذلك حتى مع غير الخربان. رأيت جهاز تلفزيون على الرصيف مع بطاقة تقول: «هلب يورسلف. هذا التلفزيون سليم وصالح للعمل».

هذا مطب وقعت فيه. اشتريت تلفزيونا جديدا يناسبني واقتضى عليّ التخلص من القديم. كنا نفعل ذلك بعرض القديم للبيع كجهاز مستعمل. ولكن لا أحد يشتري شيئا مستعملا في هذه الأيام. حتى اللصوص توقفوا عن سرقته. سألت سائر أصحابي عما إذا كانوا يحتاجون لتلفزيون آخر للمطبخ أو المرحاض. قالوا: «أوه! بيتنا مليان تلفزيونات لا ندري كيف نتخلص منها». اقترحوا علي الاتصال بمنظمة أوكسفام لشحنه للمعدمين في أفريقيا. اتصلت بهم فقالوا شكرا ولكن كلفة الشحن ستكلف أكثر من ثمنه. اتصلت بمنظمة جيش الخلاص. لعلهم يستفيدون منه في غرفهم. اعتذروا هم كذلك. قالوا: نحن نشجع الناس على الصلاة لا على التفرج على بذاءات التلفزيون.

أخيرا فعلت ما فعله جاري. وضعته على الرصيف مع بطاقة «هلب يورسلف. هذا جهاز صالح للعمل». مرت ثلاثة أيام، والثلج والمطر يتساقطان عليه دون أن يعبأ به أحد. أخيرا طرق الشرطي بابنا. «آسف على الإزعاج. ولكن هذا التلفزيون المكلل بالثلج على الرصيف يشكل خطرا على المارة». اضطررت إلى نقله لرميه في مزبلة البلدية مع بقية زبالة المنطقة. وهناك وجدت المزبلة مكدسة بمئات التلفزيونات والراديوات والكمبيوترات التي استبدل أصحابها بها أجهزة جديدة بمناسبة الكريسماس. وكلها اختلطت بالزبالة والثلوج والأوحال. نظرت لحالتها البائسة وشق علي أن أرى تلفزيوني العزيز يلاقي هذا المصير. كانت لي ذكريات طيبة معه. شهدت عليه سقوط صدام حسين وقصائد الجواهري وحفلات بافروتي. كيف ألقي به في الزبالة؟ حملته عائدا للبيت وقد تحول إلى مصير مشابه لمصير حذاء قاسم الطنبوري. وضعته في الحديقة الحاشدة بالجرذان والفئران والثعالب مع بطاقة تقول: «هلب يورسلف!».

www.kishtainiat.blogspot.com