الوجه الآخر لشهبندر التجار

TT

أتحدث هنا عن صالح التركي الإنسان، لا صالح التركي الذي أُقيل أمس الأول من منصبه كرئيس لمجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية بجدة، فالمناصب تأتي وتذهب، ويبقى الإنسان بجوهره، ومعدنه، وأصالته، فصالح التركي أشاد بينه وبين أيتام هذه المدينة وأراملها وفقرائها جسرا من الحب، عرفوه من خلاله بصالح التركي، هكذا باسمه المجرد من الألقاب، بعيدا عن أرجوحة المناصب، ولوحات «النيون».

حينما يذكر اسم صالح التركي، فلن تستحضر الأذهان منصبه، ولكن تستحضره في حاشية من الأعمال الخيرية، والمبادرات الإنسانية، والإسهامات التطوعية، وآخر ما يمكن أن يمر في أذهان الأرامل، والفقراء، والأيتام أن ذلك الرجل ـ الذي شملهم بإحسانه ـ كان له مكتب في ذلك المبنى الزجاجي الشاهق الفخم، الذين ـ ربما ـ مروا من جواره ذات يوم، دون أن يتنبهوا إلى وجوده فيه.

لم أنشغل قط بصالح التركي التاجر، ولا بصالح التركي «شهبندر التجار»، وكان اهتمامي ينصب دائما على صالح التركي، الذي يتاجر مع الله، ولن أنسى ذلك اليوم الذي كتبت فيه ـ في هذه الصحيفة ـ عن معاناة أشهر جندي مرور سابق في جدة مع المرض، ليأتيني صوته ـ من صباح العالمين ـ باحثا عن الطريق للوصول إلى الرجل.

لا أكتب اليوم عن رجل أدَّعِي صداقته، فلم ألتقِ بصالح التركي إلا مرة واحدة في بيت صديقنا المشترك الكاتب عبد الله أبو السمح في «غدوة» يتيمة ـ بالنسبة لي ـ لا سابقة لها، ولا لاحقة، ولكنني أكتب عن رجل أجزم أنني أعرفه من خلال أدواره المتعددة في رعاية الأيتام، وعون الأرامل، ومساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة، ومواساة المرضى، ودعم الطلبة الفقراء، ومختلف مجالات البر والإحسان.

ولو أن صالح التركي رجل من أهل المال فحسب، لما شغلت نفسي بالكتابة عنه، وأنا الذي بيني وبين هؤلاء مسافة بالفطرة، وبُعْد بالوراثة، اكتسبته من والدي البحار، الذي قضى العمر حرا كالريح، ينفق ما في الجيب، ولم يخذله قط مدبِّر الأحوال في الغيب، ولكن صالح التركي رجل مال له حكمة شاعر قال ذات يوم:

أَمَاوِيّ إنَّ المالَ غَـادٍ ورائِـحٌ

وَيَبْقَى مِنَ المالِ الأَحَادِيثُ وَالذِّكْرُ

وما أكثر الأحاديث، وما أكثر الذِّكر الذي يرتبط باسم صالح التركي، فطب نفسا أيها الجميل، لعل الله أراد أن تكرس تجارتك معه، وما عند الله خير وأبقى.

[email protected]