منظمة جديدة وتحرير جديد

TT

ثمة شيء من المعقول في الدعوة إلى إلغاء منظمة التحرير، فقد هرمت كمؤسسة، وفقدت، بالشهادة أو بالموت أو بالتسمم، الكثيرين من أركانها وأعلامها. وخسرت، في وجود السلطة والبرلمان، الكثير من جدواها. ولكن من أين يريد المؤسسون الجدد أن يبدأوا؟ وبموجب أية وسيلة اختيار؟ ووفقا لأي دستور؟ وأي تاريخ تريد حماس أن تلغي، إذا أقامت مؤسسة لا تعترف بإرث ياسر عرفات وصلاح خلف وخالد الحسن وخليل الوزير وسعد صايل وجورج حبش، وعشرات الرفاق الذين أبقوا فلسطين على قيد الحياة رغم الرغبة الدولية والعربية العارمة في موتها؟

لقد فككت حماس أولا السلطة كمؤسسة حكومية وهيكلية دولة محتملة، ومحاور مقبول مع جميع العالم، عربا وغربا وشرقا ودولا إسلامية. وها هي تريد أن تكون الخطوة التالية إلغاء منظمة التحرير، الإطار الذي ولدت فيه الحركة النضالية، وضمنه نالت شرعيتها الدولية، وفيه تحولت من ممثلية مخيمات في العالم العربي إلى كيان حي ومساوٍ لبقية الدول الأعضاء.

فلماذا إلغاء كل هذا التاريخ والبدء من جديد في مثل هذا الوضع التمزقي، حيث شرعية الرئيس منتهية والانتخابات عصية، وحيث غزة أبعد عن رام الله من تل أبيب، وحيث الصراع العربي في أحط مراحله، وحيث الصراع العربي ـ الإيراني في ذروته، وحيث الوكيل الدولي الحصري ـ حتى الآن ـ لم يتعرف بعد إلى أروقة البيت الأبيض؟

كيف يمكن البدء من جديد حقا؟ وبموجب أي ميثاق؟ ووفقا لأي تعددية؟ واستنادا إلى أي رؤية سياسية أو وطنية أو قومية؟

لقد مضت العقود الأربعة الماضية في صراع عبثي صبياني عنوانه «الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني»، وعلى هذا الشعار البليد تأزمت حياة الفلسطينيين وقضيتهم. والآن نريد أن نطلق الصراع مرة أخرى، ومن جديد، وكأن شيئا لم يكن. ونريد البحث عن اتفاقات أخرى، وعن معاهدات أخرى، وعن حليف دولي جديد، قد لا يكون في نهاية المطاف أكثر فائدة من الاتحاد السوفياتي.

لا أدري ما المقصود بمنظمة تحرير جديدة. ربما يعرف ذلك ويشرحه لنا الركن الأخير الباقي من المنظمة، السيد فاروق القدومي. فلماذا لا تبقى المنظمة ويصير هو رئيسها؟ والسلام عليكم في أي حال.