سيزيف: والتحدي إلى الأبد! (2-3)

TT

وأسطورة أخرى لا تقل روعة وترويعا عن أسطورة تنتالوس، وهي أسطورة سيزيف. فقد حكمت الآلهة على الفتى سيزيف بأن يرفع حجرا إلى قمة الجبل، حتى إذا بلغ سارع الحجر تحت السفح.. ويعود سيزيف يرفعه إلى الأبد!

وفي أساطير الإغريق لا يهم كثيرا أن تسأل عن أسباب هذا الحكم العبقري على سيزيف. فالآلهة قد غضبوا وهذا عقابهم. فالبحث عن حيثيات الحكم سيدخلك في أسطورة في داخل أسطورة.. وهي قصة عذاب أخرى!!

ويحدث كثيرا في حياتنا أن نمضي في طريق، ولكنه لا يحقق لنا الأمل فنعود إليه ويتجدد الأمل، تماما مثل سيزيف الذي يعلم أنه لا خلاص له من العذاب، ولكنه لكي يغيظ الآلهة يؤكد عظمته بأنه ينفذ هذا الحكم القاسي، بأنه يؤديه بصبر وصدق كأن هناك أملا في النجاة.. وبدلا من أن يبكي ويتباكى لعل الآلهة أن تخفف عنه، فإنه يرفع الحجر في حرارة وإيقاع موسيقي.. ولكن الآلهة لم تخفف الحكم.

وما حدث في لبنان عند حروبه الطويلة أن قام الناس ببناء بيوتهم كلما انهدمت.. فصاحب الدكان إذا تحطم زجاجه صباحا، فإنه في المساء يضع زجاجا جديدا.. ويتحطم الزجاج ويقوم بتجديده.. إنه يرفض أن يكون سيزيف.. أو أن يكون سيزيف الذي وجد حلا..

وما يفعله أبناء فلسطين في بلادهم المحتلة أنهم يضعون حجرا فوق حجر وهم ليسوا على يقين من أنها سوف تبقى.. فقد استعاروا إصرار البطل سيزيف. وليس من بيننا أحد لم يحاول أن يبدأ من جديد. الذي رسب والذي خذله الأصدقاء.. كل هؤلاء استعاروا بطولة سيزيف وعندهم أمل في النجاة.. لولا هذا الأمل ما استمرت حياتهم!