قادة متواضعون في دافوس

TT

«كم كنا أغبياء!» كرر هذه العبارة العديد من الخبراء في جلسة عقدت في إطار المنتدى الاقتصادي العالمي الأسبوع الماضي لمناقشة «الأخطاء التي وقعت» وأدت إلى حدوث الأزمة المالية العالمية. بيد أنهم لم يكونوا مخطئين. ففي دافوس، كان المعلقون المنتقون على صواب إلى حد بعيد في التحذير قبل عدة أعوام من كارثة تلوح في الأفق. وكانت هناك على الأقل إشارة إلى حالة من الضيق تنتاب الجميع.

في المعتاد، لا مكان للتواضع في دافوس. فعلى الرغم من كل شيء، هؤلاء هم قادة الكون، الذين أصبح اجتماعهم كل شتاء رمزا على عملية العولمة الاقتصادية. ولكن، في العام الحالي، وعلى ضوء الأداء الضعيف للاقتصاد العالمي، قامت بعض المؤسسات بإعادة النظر في أوضاعها. ويمكن أن تسمع في أعقاب جلسات النقاش عددا كبيرا يصيح «آه»، أو يقولون «وماذا الآن؟» مع شعورهم بالحزن. ومن الأسباب التي تقف وراء محاولات إعادة النظر في الأداء خلال العام الجاري أن المسؤولين الأميركيين، الذين يبدون وكأنهم لا يستطيعون مقاومة لعب دور بائعي الأرصفة في مثل هذه الاجتماعات العالمية، نأوا بأنفسهم بعيدا. وقد أضفي غياب إدارة أوباما، طابع «ما بعد أميركا» على هذه الدورة. ولكن، يعد ذلك أمرا مضللا. فالهوس بباراك يتسم بالقوة بين العظماء العالميين، كما هو الحال في أي مكان آخر.

جاءت العروض الأكثر تفاؤلا من الرأسماليين الجدد، رئيس الوزراء الصيني وين جيا باو ورئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين. قال وين إنه يرى أمارات صغيرة على «الأمل» في عملية الإقراض المصرفي في الصين والاستهلاك المحلي. وتحدث بوتين كما لو كان رأسماليا ولد من جديد، قائلا إن روسيا قد رأت الدمار الذي تسببت فيه الرقابة الحكومية المفرطة على الاقتصاد وأنها لن تعود أبدا إلى السياسات التي كانت تطبق إبان عصر الاتحاد السوفيتي. وبدا بوتين متحمسا للغاية عندما تحدث عن تخفيضات ضريبية في روسيا.

لم يقاوم بوتين الرغبة في التقاط بعض الصور للولايات المتحدة وكونها السبب في «العاصفة» التي ضربت الاقتصاد العالمي، وساق الكلام المتفائل الذي أدلى به مسؤولون أميركيون في دافوس قبل عام «والإدارة ضعيفة المستوى» في المصارف الأميركية. وقال الشيوعي السابق، الذي يعتقد الآن بصدق في نظام السوق الحرة، «يجب أن ينهار هرم التوقعات هذا.»

بدا كل من وين وبوتين في حالة من الاسترواح وهما في نادي دافوس للرؤساء التنفيذيين، وبدا الزعيم الصيني، وهو يرتدي بذلة ذات لون أزرق داكن، وكأنه أتقن لغة المسؤولين التنفيذيين الجديدة التي تتميز بالنفاق الدافئ، واستخدم في تصريحاته بعض العبارات مثل «أود أن أخبرك بصراحة» و«من صميم قلبي». وتحدث رئيس الوزراء الصيني مرات عديدة عن «الشفافية والانفتاح» في الصين، وهي صفات لا يجرى غالبا نسبها إلى الجمهورية الشعبية.

فيما أظهر بوتين، الذي كان يرتدي رباط عنق أحمر اللون، سرعة غضب رجل سابق في جهاز «كايه جي بي» بسبب أسئلة قادة رجال الأعمال. لم يتعامل بجد مع عرض ذي مغزى من مايكل ديل لمساعدة روسيا على تسويق مهاراتها في مجال الكومبيوتر بأن قال، «نحن لسنا مرضى...متقاعدين يحتاجون إلى المساعدة، الدول النامية هي التي تحتاج إلى مساعدة». تحدث بوتين ووين كرجلين، يحدوهما قدر من الثقة أكبر مما كان عليه الحال قبل أعوام قليلة، بطريقة رجال يتحرك السوق في ناحيتهم.

كم كان عمالقة رأس المال أغبياء جدا؟ كان هذا هو السؤال الذي طرح في دافوس على مدار الأسبوع، وقد كانت الحدة في الكلام مطمئنة. قد يكون الاقتصاد العالمي قد ذهب إلى الجحيم، ولكن لم يفقد الناس قدرتهم على التفكير النقدي فيه. ومن بين أشد الانتقادات التي وجهت تلك الانتقادات التي جاءت من نيال فرغوسون، وهو أستاذ تاريخ بـ«هارفارد»، الذي كرر وجهة النظر نفسها التي ساقها في العديد من كتبه أخيرا، التي يرى فيها أن «ديناصور الديون» الأميركي يسير على إثر بريطانيا التي أجهدها الاستعمار والتراجع.

كان من بين النجوم الذين لمعوا في سماء دافوس العام الحالي، والذين أحاطت بهم جماهير عاشقة، محللان اقتصاديان وهما نوريل روبيني ونسيم نيكولاس طالب، اللذان رأيا الكارثة وهي تظهر في الأفق قبل أي شخص آخر تقريبا.

قال روبيني إن الإجراءات التحفيزية المشوهة للنظام القديم ضمنت تقريبا الانهيار النهائي. عرضت شركات الرهن العقاري رهانات معرضة للمخاطر مشكوكا فيها مجانا؛ فيما قامت البنوك بطرحها للاكتتاب، مجانا أيضا؛ وحولتها المصارف الاستثمارية إلى أوراق مالية مسمومة مجانا، وأعطتها مؤسسات التقييم درجات عالية بصورة غير صحيحة مجانا. قد تقول إن النظام قد «أفلح».

وقال طالب، وهو تاجر سابق ألف كتاب «البجعة السوداء»، إن النماذج التي ظهرت في وول ستريت، كانت في الواقع جزءا كبيرا من المشكلة، حيث إنها خلقت إحساسا زائفا بالثقة في المستقبل. وبدلا من البحث عن إعادة الطمأنة في النماذج، نصح التجار، القلقين بالذهاب لتناول شراب أو الاشتغال بالدين.

وقال طالب، «من الأسهل أن تقول الله أعلم بدلا من أنا لا أعلم». ويبدو أن هذا هو شعار اجتماع دافوس في العام الحالي.

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»