نظرية «مسطحة»

TT

توماس فريدمان الكاتب الصحفي الأمريكي المعروف وعراب العولمة الأشهر، وصاحب المؤلفات الأكثر مبيعا في هذا الاتجاه، مثل «اللكزس وشجرة الزيتون» و«العالم مسطح»، وغيرها، ولكن كان دائما يحاول أن يروج لنفسه أنه «خبير» في الشرق الأوسط وقادر على ردم الهوة بين الدولة اليهودية والعرب، وله العديد من المقالات التي يحاول فيها تقديم «النصح» و«المشورة» لتحقيق السلام في هذه المنطقة المضطربة من العالم.

والآن يعود توماس فريدمان لموضوع السلام بين العرب وإسرائيل في مقاله الأخير بصحيفة «النيويورك تايمز» الأمريكية، الذي يحاول فيه إعادة بناء المبادرة العربية للسلام حتى يعاد طرحها «لإسرائيل وشعبها» من خلال إدخال مصر والأردن والسعودية كأطراف ضامنة للمبادرة. فهو يعرض أن «يحرس» الأردن الحدود الإسرائيلية مع الضفة الغربية، وأن تقوم مصر بذات الشيء مع حدود غزة، على أن تمنح الدولة فترة خمس سنوات للانسحاب من كافة الضفة الغربية والقدس العربية باستثناء (نعم هناك استثناء فولاذي!) باستثناء الأراضي التي ستمنح لإسرائيل في مبادلة مع أراضٍ أخرى في مناطق أخرى، على أن تتكفل السعودية بالمصاريف الإدارية للأردن ومصر مقابل أداء هذه المهمة المطلوبة، إضافة إلى بليون دولار سنويا مصاريف «خدمية» لكل دولة منهما، يضاف لذلك مصاريف الموازنة المتعلقة بالسلطة الفلسطينية.

ولا بد من سؤال الأستاذ توماس فريدمان؛ ألم يخطر في باله أن توجه المبالغ المهولة التي تقدمها الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل (التي لم تتحصل أي دولة على مثلها في التاريخ!) توجه هذه المبالغ لصالح جهود السلام الذي يطرحه لأنه نظريا لن تكون إسرائيل بحاجة للعتاد العسكري وهذه الترسانة المسلحة المهولة إذا ما أقامت السلام.

يغفل ويتناسى توماس فريدمان أن المبادرة حينما قدمت في بيروت خلال القمة العربية وقبل أن يجف الحبر على الورق الذي كتبت عليه، كانت الدبابات الإسرائيلية المسعورة تدك مقر الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وتطارده في رام الله بقيادة رئيس الوزراء الإسرائيلي الموتور أريل شارون.

المجازر التي أطلقت بحق الدماء العربية، التي لا يشير إليها فريدمان، هي إدانة دامغة لنوايا السلام في إسرائيل (إن وجدت).

رفض إسرائيل القاطع والعملي لمبادرة السلام العربية هو دليل دامغ على أنها لا تنوي أبدا المساعدة في إقامة دولة فلسطينية، وحل الدولتين لن يكون واردا لديها وهي نجحت في «استدراج» مصر لمعارك جانبية عبر بوابة حسن نصر الله، الشهيرة برفح سابقا، وستحاول فعل ذات الشيء مع الأردن قريبا.

لن يكون طرح توماس فريدمان بهذا الشكل غير الموضوعي، سوى سقطة جديدة في التنظير المزدوج الذي تمارسه الأقلام المؤيدة لإسرائيل بالغرب عموما وبالولايات المتحدة الأمريكية تحديدا. ولكن العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة نجح نجاحا باهرا في إعادة القضية الفلسطينية إلى عناوين الصفحات الأولى حول العالم، كما أنها نجحت في كشف تجاوزات الجيش الإسرائيلي ليخسر بذلك معركة العلاقات العامة التي كان متخصصا فيها وبامتياز.

في الولايات المتحدة الأمريكية يعتبر اليهود أشهر من قدم الكوميديا فيها وأضحكوا الناس عبر السنين من خلال السينما والتلفزة والمسرح، وما قدمه توماس فريدمان مؤخرا، على اعتبار أنه مبادرة سلام جديدة تستحق الطرح، يجب أن تعامل على أنها مادة كوميديا، ولا يمكن أخذها بجدية لأنها خالية من أي توازن أخلاقي يوضح المسألة بصراحة ويحمل المخطئ مسؤوليته. أضحكتنا يا توماس.

[email protected]