حماس تقود أكبر عملية انتحارية

TT

إعلان خالد مشعل من الدوحة عن النية لتشكيل مرجعية جديدة للشعب الفلسطيني بديلا عن منظمة التحرير يمثل أولى الخطوات العملية لوأد المبادرة العربية، وقبل هذا وذاك، إعادة القضية الفلسطينية للمربع الأول. وبحسب أحد المسؤولين الفلسطينيين فإن خطوة مشعل تعني «إطلاق أول رصاصة من الخلف على المبادرة العربية». وأعتقد أنها ستكون أول وآخر رصاصة تستقر منذ سنين في جبين العمل السياسي العربي الجاد للقضية الفلسطينية.

إعلان أوباما بأنه يرى أفكارا جيدة في المبادرة العربية، وتعليق الأمير سعود الفيصل عن أن العرب على استعداد لمواصلة النقاش والحوار، عجلا بالخطوات العملية من جانب بعض الأطراف لقتل المبادرة العربية، بناء على ما طرح في اجتماع الدوحة الشهر الماضي، بحضور نجاد والرئيس السوري.

إلغاء المرجعية الفلسطينية يعني البدء من الصفر في سبيل تحقيق اعتراف دولي بهذه المرجعية، وهذا ضياع لكل سنين التفاوض، وما تحقق على الأرض، ومن ضمنه المظلة التي جاءت من خلالها حماس للسلطة وهي اتفاق أوسلو، وهنا لا بد من التذكير بأن حماس قد قامت بانقلاب على العملية السياسية برمتها. كما أن هذا الأمر يعني انتهاء مشروع الدولة الفلسطينية، وبالتالي إلغاء المبادرة العربية حيث يحق للإسرائيلي القول حينها إنه لا شريك فلسطينيا، وهذا ما سيخلص إليه باراك أوباما والأوروبيون، وحينها نصل إلى ما يمكن أن نسميه مربط الفرس.

فإلغاء المبادرة العربية سيمكن السوريين من إقحام إيران في ملف القضية الفلسطينية رسميا من ناحية المفاوضات مع أميركا وأوروبا، خصوصا أن مرجعية حماس السياسية الآن هي طهران، ودمشق مجرد دار الإقامة. وبالتالي فعندما تشرع سورية بمفاوضات مع إسرائيل، بضمانة أميركية ـ وهذا ما لا يمانع فيه نتنياهو المرشح بقوة لرئاسة الحكومة الإسرائيلية، كما أنه الأمر ذاته الذي يدفع له لوبي قوي في واشنطن بأن الحل مع سورية أسهل من حل القضية الفلسطينية ـ ستبقي دمشق حينها على إيران حليفا، وتستعيد الجولان، وبالتأكيد سيكون لبنان ورقة «فوق البيعة».

من هنا فإن إعلان مشعل من قطر عن النية لتشكيل مرجعية فلسطينية جديدة ما هو إلا تنفيذ لما خرج به اجتماع الدوحة، وشروع في ترسيخ المحور الإيراني ـ السوري ـ القطري الجديد في المنطقة.

وقد يتساءل البعض وماذا عن حماس؟ لقد ارتضت الحركة الإخوانية، للأسف، أن تكون معول هدم للقضية الفلسطينية، والتضحية بالدماء الفلسطينية وبتاريخ طويل من النضال السياسي والمسلح الذي قاد منطقتنا إلى حروب طويلة تريد حماس محوها بكل بساطة. فقد باتت حماس في المحور الإيراني ـ السوري ـ القطري مجرد عجلة صغيرة في كعب مقعد كبير، تحركه بسرعة وسهولة، ليس لحل يفضي للوصول إلى الدولة الفلسطينية، وإنما لإعادة عقود من الصراع من أجل القضية إلى نقطة الصفر.

الذي سيحدث هو أن تتحول الضفة الغربية إلى تابع إداري للأردن، أو إعلان غزة إمارة إسلامية، أو توريط مصر وزعزعة استقرارها، وهذا أمر رأيناه اشتد في الأسابيع الثلاثة الماضية، وإن كان قد بدأ منذ انقلاب حماس على السلطة في غزة. إعلان خالد مشعل عن النية لتشكيل مرجعية جديدة للفلسطينيين لا يمكن وصفه إلا بعملية انتحارية تستهدف تاريخنا ومستقبلنا نحن أبناء المنطقة، وهذا ما يجب التنبه له.