هجوم إيراني معاكس ضد الدور المصري

TT

كيف يبدو المشهد العربي بعد قمة الكويت؟

المشهد حمام ساخن، بعد انقطاع المياه الباردة التي صبتها مبادرة المصالحة السعودية على رؤوس المستحمين الملتهبة. المنطقة تعيش الآن أجواء هجوم إيراني معاكس على الوساطة المصرية بين فتح وحماس، وبين حماس وإسرائيل.

أمام عرب الشارع، اتفق عرب القمة على المصالحة في الجلسة المعلنة. وعادوا إلى الاختلاف في الجلسة المغلقة. عرب إيران، يدعمهم الرديف القطري، أبدوا استعدادهم للتجاوب مع مبادرة المصالحة السعودية، شرط «تمويت» مبادرة السلام السعودية التي تبنتها قمة بيروت (2002)!

أفتح هنا قوساً لأقول إن نقطة الضعف في مبادرة السلام كونها عنواناً عريضاً لمبادلة السلام بالأرض. لكن العرب عجزوا خلال ست سنوات عن إغناء المبادرة بالتفاصيل. عجزوا عن وضع آلية تنفيذية لها تحدد ما هو المطلوب العربي من إسرائيل، في قضايا الحدود والاستيطان واللاجئين والمياه والدولة الفلسطينية..

ساد هدوء قصير بعد النزول من القمة. بل كان هناك ترحيب فاتر بمبادرة المصالحة السعودية في سورية ومن «حزب الله»، وترحيب حار من «أمل» نبيه برى ومرجعه الديني الشيخ قبلان.

الأهم من ذلك كله، أن حرب غزة أعادت حماس مهرولة إلى حضن الوسيط المصري عمر سليمان. استغنى مشايخ حماس في غزة عن الدلع والدلال والامتناع. راحوا يستعجلون مصر لإقامة هدنة «جهادية» مع إسرائيل تحقق لهم فتح المعابر ورفع الحصار، في مقابل الامتناع عن قصف إسرائيل بصواريخ الفتك العمياء.

بدا الطريق ممهداً أمام غرض مبارك الأبعد: تحقيق مصالحة حماس مع عباس. إقامة حكومة وحدة فلسطينية. إجراء امتحانات انتخابية يكرَّم فيها أحد الجانبين أو يُهَان..

أفتح هنا قوساً آخر.. لأضيف أن حماس باتت الآن محور صراع عربي وإقليمي ودولي. نجاة حماس بنفسها وجلدها.. على الأقل من حريق غزة، أكسبتها نصراً سياسياً واحداً. فقد أبدت أوروبا، وربما غداً أميركا أوباما، الاستعداد للاعتراف بها والحكي معها، شرط تحييد صواريخها، وفتح المعابر الإسرائيلية لتغذيتها وتموينها، ثم استيعابها في نظام عباس؟

لكن فجأة تغير المشهد، انطلق هجوم إيراني معاكس على المبادرات العربية. الهدف استعادة حماس إلى «الكامب الجهادي»، وتدمير الوساطة المصرية التي منحت الدور المصري ألقاً عربياً ودولياً، على حساب الدور الإيراني الذي تراجع إثر إخفاق «ديوانية» الدوحة التي لم ينجح حضور نجاد في رسمها قمة عربية منافسة لقمة الكويت.

في لبنان، كفّ نبيه برى عن مدح مبادرة المصالحة منهمكاً في مبارزة انتخابية مع سنيورة الحكومة، حول مخصصات «مجلس الجنوب» التنمية الشعبية. أما عن حزب الله، فقد أطلق مدافعه الهوائية من مخبأه على الوساطة المصرية، مغطياً عجز إيران عن نجدة حماس.

واضح أن إيران جندت فرسان «كامبها» العربي في هجومها المعاكس على مصر. خسارة إيران لحماس قضية حياة أو موت بالنسبة لاستراتيجيتها في اختراق العرب باستغلال عواطفهم الفلسطينية.

ثم تحميل مشعل طهران مشروع مرجعية «جهادية» ضد مرجعية منظمة التحرير «العلمانية». بعدما أطلق مشعل الفقاعة، استُدعي على عجل إلى طهران، لتأهيله لتقمص دور الراحل عرفات كزعيم فلسطيني بلا منازع.

تسرع مشعل في ابتلاع الطعم الإيراني كشفه، ليس فقط أمام العرب كرجل إيران، إنما أيضاً أمام شيوخ حماس الذين تحفظوا على مبادرته وباتوا مشككين في أهليته لقيادة مرجعية جهادية، وفي امتلاكه الذكاء السياسي الكافي للتغطية على الولاء الإيراني. غير أنى ألاحظ أن إهمال السلطة الفلسطينية لمرجعيتها التاريخية (منظمة التحرير) وعدم إعادة بناء هيكلتها، هو الذي يغري إيران ومشعل باختراع مرجعية جهادية بديلة لها.

لسوء حظ إيران، اقتحمت جارتها اللدودة تركيا خط النار، ليخطف أردوغان زخم الهجوم الإيراني.. وليقدم نفسه وبلده ظهيراً ونصيراً للعرب، من خلال «شرشحته» للمخضرم المخرف بيريز من على منبر دافوس الدولي. الموقف التركي يترك إسرائيل بلا حليف إقليمي إسلامي قوي. تركيا لم تعد بحاجة إلى شهادة حسن سلوك من أوروبا بعدما اقتنع نظامها الإسلامي العاقل باستحالة ضم تركيا الإسلامية والمشرقية إلى نادي النخبة في أوروبا المسيحية. بروز الدور التركي دفع العجوز ميتشل، مبعوث أوباما، إلى التعرف في أنقرة على ملامح ودور الدرويش التركي في الصراع الإقليمي.

المهارة الدبلوماسية التركية تنجلي في المناورة لتشتيت الاختراق الفارسي العربي، بالتأكيد على هوية تركيا السنية، من دون الدخول في مواجهة مع إيران، أو في مواجهة مباشرة لمصر. ذلك لا يمنع من القول إن النظام العربي وحماس لا يمانعان في تجنيد الدرويش التركي في مشروع قوة المراقبة الدولية في غزة.

لكن أعود فأسأل: ما الذي يدفع إيران إلى تشديد الهجوم المعاكس على مصر والنظام العربي في مستهل عصر أوباما؟

أجيب بأن إيران تسيء فهم وتفسير يد أوباما الممدودة نحوها للحوار والمصالحة بلا شروط.

سارع نجاد إلى طلب اعتذار من أوباما. طالب رافسنجاني أوباما بسحب خيار قصف منشآت إيران النووية من طاولة الحوار. الواقع أن هناك ثلاث نتائج خطيرة لحوار أوباما مع إيران:

* مصالحة إيرانية / أميركية على حساب النظام العربي، تؤدي إلى تهميشه وإضعافه أمام الهجوم الإيراني.

* السماح لإيران بمواصلة إثراء اليورانيوم. وصولا إلى امتلاك قنبلة نووية، بصرف النظر عن معارضة إسرائيل.

* قصف إيران كحل أخير مُرضٍ لإسرائيل.

الحلول الثلاثة خطر على العرب والنظام العربي بما فيه النظام السوري. سورية بشار لا ترغب في إيران قوية وجارة لها مهيمنة على العراق. ولا تريد إيران ضعيفة غير قادرة على شد أزرها في لبنان وفى خصومتها مع مصر والسعودية، ثم في المساومة مع أميركا وإسرائيل على الجولان.

مشكلة العرب أنهم لا يستطيعون تغيير جيرانهم الفرس التاريخيين. ولا يقدرون على دفع جيرانهم المقيمين من إسرائيليين مستوطنين و...أميركيين محتلين.