«العولمة» والطبال!

TT

لا يوجد مكان واحد في العالم يرمز لحراك العولمة وإلى فكرة الاندماج الاقتصادي العالمي مثل القرية السويسرية الصغيرة، التي تستضيف سنويا المنتدى الاقتصادي العالمي، الذي بات قبلة كل معني بحراك العولمة ونتاجها، فهناك عدد لا بأس به من المسؤولين التنفيذيين ورجال الأعمال والفكر والمنظمات الأهلية والإعلاميين «يحجون» إليها لأجل التواصل والتعارف ومبادلة الافكار.

وأحد أكثر الشخصيات ترددا على هذا الملتقى هو الرئيس الإسرائيلي الحالي شمعون بيريز، وهو يستغل هذه المناسبات لتقديم وجه «مغاير» لإسرائيل وجه «دبلوماسي ناعم» و«رقيق» وذلك باستخدامه للعبارات المجذبة واتقانه للغة الفرنسية.

شمعون بيريز ليس بالشخصية العسكرية الصارمة مثل رابين وشارون وباراك، وهو لم يفز في أي انتخابات لمنصب رئيس الوزراء في إسرائيل طوال تاريخه السياسي الطويل، مما سبب له نقطة ضعف وعقدة نقص واضحة تطرق إليها العديد من النقاد والمحللين السياسيين في مناسبات عدة، ولعل نتاجها كان قيامه بتنفيذ مجزرة قانا في لبنان إبان استلامه المؤقت لرئاسة وزراء إسرائيل في أعقاب اغتيال اسحق رابين على يد يهودي إرهابي متطرف، وذلك من أجل تكريس صورة ذهنية في عقول الناخبين الإسرائيليين بأنه رجل «قادر» على اتخاذ قرارات عسكرية قوية لأجل الدفاع عن إسرائيل.

واقع الأمر أن شمعون بيريز له قدر من الوقاحة على إعادة تغليف الحقائق وتوجيهها للصالح الإسرائيلي أمام الرأي العام الدولي. وأذكر شخصيا موقفا حصل خلال إحدى مناسبات دافوس حين كان يتحدث شمعون بيريز عن موضوع السلام في الشرق الأوسط، وبدأ يسوق الأساطير والروايات الخيالية التي يشير فيها إلى مسؤولية العرب عن تأخر تحقيق السلام، وعدم إيجاد المناخ المناسب لذلك، وطبعا كان ينسج من خياله الخصب الدوافع والأسباب التي تراها إسرائيل في استمرار المحافظة على أمنها «وهي كلمات بديلة لاستمرار الاحتلال الوقح للأراضي العربية».

وكنت أتابع من قاعة الحضور هذا الدجل السياسي الذي كان يقدمه بيريز بمنتهي الاشمئزاز والقرف، وبعد الاستراحة خرجت للبهو الرئيسي لقاعة المؤتمرات لأجد الصديق الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، وبعد السلام سألني «ما الذي قاله بيريز؟ فشرحت له ما جرى وما الذي قاله، والكيفية التي قال بها ما قال، ومحاولاته المستمرة لاستجداء عواطف ومشاعر الحضور بأي أسلوب مهما كان رخيصا وكاذبا، فهز عمرو موسى رأسه باستغراب وعلق قائلا، «ذي عادته».

أسلوب شمعون بيريز لن يتغير فلقد عاش عليه طول حياته وكان البوق الدبلوماسي والوجه البراق للسياسة المتطرفة للحكومة الإسرائيلية، وهو نفس الدور الذي كان يقوم به سابقا وزير الخارجية الإسرائيلي أبا إيبان بلكنته الإنجليزية الارستقراطية وحضوره الكبير. حاول شمعون بيريز أن يكون عراب الشرق الأوسط الجديد عبر أطروحات «مثالية» تخلي إسرائيل من أي مسؤولية أخلاقية تجاه ما اغترفته من جرائم حرب بكل المقاييس والمعايير والقوانين.

ولعل آخر فصول «الطبل» الأجوف الذي يمارسه شمعون بيريز كانت فصول التبريرات التي أدلى بها خلال إحدى جلسات منتدى دافوس بحضور رئيس الوزراء التركي رجب طيب أرودغان وعمرو موسى، وكان بيريز يستحق انصراف وانسحاب أردوغان من الجلسة غاضبا ومتجهما على الطرح المعيب والمخجل لعراب الحكومة الإسرائيلية، التي بات عليها تبرير جرائمها أمام العالم بشكل غير مسبوق. دافوس كانت فصلا فاضحا جديدا لطبال إسرائيل ومروج أكاذيبها ولكن اليوم الفضيحة باتت معلنة وبجلاجل!

[email protected]