انتخابات العراق.. مؤشرات نجاح

TT

أخيرا بعد سنوات من العنف الأعمى ومظاهر عدم الاستقرار والتدخلات الخارجية التي جعلت كثيرين يشكون في إمكانية تفكك العراق ككيان سياسي وجغرافي واحد، بدأت تباشير الأمل تظهر مند شهور متمثلة في انخفاض وتيرة العنف بدرجة ملحوظة، ومظاهر العودة التدريجية للحياة إلى طبيعتها، ثم جسدت انتخابات مجالس المحافظات هذه الأيام التغير الأهم الذي حدث على الأرض وهو هزيمة قوى العنف والفوضى، فجرت عملية الاقتراع بسلاسة وبدون أحداث عنف كبيرة وتفجيرات كما كان يحدث في السابق. وجاء ذلك في مناخ تراجعت فيه القوات الأميركية هناك إلى المقعد الخلفي بينما تبحث خطط انسحاب مبكر في ضوء التحسن في الوضع الأمني.

وإذا ثبت صحة ما أفادت به المؤشرات الأولية من تراجع للأحزاب الدينية التي سيطرت على الساحة العراقية خلال السنوات الأخيرة، وحاولت قيادة بلد له إسهاماته الحضارية والثقافية البارزة على مدار التاريخ إلى عصور ظلامية فإن ذلك سيكون أشبه بتعافي الجسم من حمى كادت أن تودي به.

وهو يثبت أيضا أن الناس العاديين يمكنهم من خلال صناديق الاقتراع أن يقرروا مستقبلهم ويقودونه إلى بر الأمان، وأنه مهما كانت قوة قوى التطرف وعلو صوتها في الأشرطة والبيانات، أو التفخيخ والتفجير وحمامات الدم التي روعت الجميع، فإن الغالبية الصامتة لا تحب العنف، وتريد حياة كريمة على أرض الواقع وليس بالشعارات واستغلال الشباب وصغار العقول للانتحار.

ليس معنى ذلك أن كل شيء أصبح «تمام» فما حدث في انتخابات المحليات أيا تكون النتيجة النهائية هي خطوة إلى الأمام في طريق تعزيز الوضع الداخلي العراقي واستقرار البلد، لكن هناك أيضا الكثير من عوامل عدم الاستقرار جنوبا وشمالا ووسطا، وفي بعض المحافظات، وهناك كثيرون من فئات الشعب العراقي الذين يحتاجون إلى طمأنة بأن لهم حصة في البلد مثل أي أحد آخر، وهناك حاجة أظهرتها السنوات الماضية إلى ترسيخ روح ومفهوم المواطنة فوق الانتماء إلى طائفة معينة أو عرق معين، كما أن القوى المتربصة التي كانت تأمل في أن تحول العراق إلى إمارة ظلامية، أو بلد تقوده ايدولوجية طائفية، لم تتلاش تماما وتنتظر فرصة لتطل برأسها مرة أخرى، خاصة أن معركتها ليست العراق وحده ولكن المنطقة كلها.

فهناك حاجة إلى استمرار قوة الدفع في البناء على ما تحقق من مظاهر هدوء للعنف واستقرار، وانتخابات مجالس المحافظات في ترسيخ مؤسسات الدولة وعلاقة الحكومة المركزية بالأقاليم، وعلاقة العراق بدول الجوار لا تطبيق المبدأ الذي يسود العلاقات الدولية وهو عدم التدخل في الشؤون الداخلية.

ولا بد أن يكون الجزء الأهم في إعادة بناء الدولة العراقية هو الشق الاقتصادي، فهو الذي سيحقق استقرارا حقيقيا ودولة قوية، وعلاقات ندية مع العالم الخارجي، وأهم ما يحققه الاقتصاد هو توفير الوظائف، ومستويات المعيشة الكريمة والخدمات اللائقة. وبعبارة أخرى فإن الاقتصاد القوي هو القاعدة الأسمنتية القوية ضد التطرف ومظاهر عدم الاستقرار الاجتماعي. ويجعل لدى الشباب أملا في المستقبل بما يحرم الجماعات المسلحة من الأوكسجين الذي تتنفس به في التجنيد وترويج أفكارها. وفي المجال الاقتصادي فإن العراق لديه الكثير من الموارد التي تجعله مؤهلا ليكون دولة عصرية. وهذا ما يجب أن تركز عليه القوى السياسية العراقية التي تريد الخروج من دوامة ما حدث في السنوات الماضية، فضلا عن أن الناخب الذي أعطى صوته لن يمكن كسبه ثانية لو شعر بعد سنوات أن من انتخبهم لم يحققوا له طموحاته، وهي في أغلبها طموحات في متسوى معيشة وخدمات أفضل.

[email protected]