حتى إيران أطلقت قمرها الصناعي

TT

عندما زرت طهران إبان القمة الإسلامية في أواخر التسعينيات، حرصت على زيارة المعرض الصناعي الكبير الملحق بمبنى الفندق، حيث يقيم بعض الوفود. والحقيقة أن المعروضات الصناعية كانت تثير الإعجاب، لأن فيها منتجات طبية متقدمة وأجهزة تقنية حديثة، وسيارات، ودراجات، وأجهزة كهربائية منزلية. ومع أن بعض الأجهزة نتيجة نشاط تجميعي، مثل السيارات يتم تركيبه بـ«كاتلوج» مبسط، ولا يعبر عن تصنيع حقيقي، إلا أن بعضها بالفعل يمثل صناعة إيرانية متقدمة ومثيرة للإعجاب. 

وليس سرا أن التعليم العلمي في إيران منذ زمن الشاه متقدم، واستمر في عهد الثورة. كما أن الحاجة أم الاختراع، حيث تطورت قدراتهم المحلية بسبب المقاطعة الغربية التجارية التي ضيقت على الإيرانيين عيشتهم، ضمن محاولات لثني إيران عن برنامجها التصنيعي للسلاح النووي.

وعندما أطلق الإيرانيون قمرهم الصناعي الأول، أثار القلق، خشية أن تكون له استخدامات عسكرية أو استخباراتية، لولا أن الخبراء أكدوا أن القمر لا يصلح للتجسس أو التوجيه العسكري، لكنهم في الوقت نفسه نبهوا إلى أن المشروع برمته مثير للريبة، ليس كأقمار صناعية، بل في بناء وسيلة النقل التي تطلق القمر. فإيران إن كانت بالفعل تبني السلاح النووي، ستحتاج إلى وسيلة لقذفه، وهنا تلعب الصواريخ الدور الرئيسي.

وفي رأي أحد المرتابين في نوايا إيران، أنه لا يعقل أن تبذل إيران كل هذه الجهود فقط لإطلاق أقمار صناعية ذات قيمة محدودة، وأنه يعتقد أن هدفها النهائي تطوير قدراتها الصاروخية بحجة إطلاق الأقمار الصناعية، وأن تطوير الصواريخ سيخدم مشروع السلاح النووي الذي لا قيمة كبيرة له من دون وسائل إطلاق.

وما يزيد الشك هو إنفاق الكثير من المال والجهد في بناء ألعاب دعائية، مثل الأقمار الصناعية، في وقت تهمل إيران تطوير قطاعات أكثر حيوية وأهمية. فالصناعة النفطية تعاني من نقص قطع الغيار، ومصافيها البترولية صارت بالية، والتي يفترض أن تحظى بالأولوية للمواطن الإيراني، الذي يعاني من شح البنزين ونقص الوقود للتدفئة. فالآلاف من الإيرانيين الذين عانوا من الصقيع في شمال البلاد، انتفضوا ضد الحكومة وساروا في مظاهرات عنف، احتجاجا على نقص وقود التدفئة. ومشكلة إيران الرئيسية هي نقص الوقود، رغم أنها من أغنى بلدان العالم بالنفط. السلطات في طهران تبذل بكرم مئات الملايين من الدولارات على تطوير القدرة الإيرانية النووية، الذي يناقض الحاجة إلى تطوير القدرات النفطية، التي تتطلب خمس هذا المبلغ الذي يمكن أن يدر على الخزينة الإيرانية مليارات الدولارات. هدف إيران صريح وواضح، هو التفوق العسكري، وليس التنمية المحلية. وهي في سباق بين شهوتها لتوسيع نفوذها الإقليمي، وبين تذمر مواطنيها من أوضاعهم الداخلية التي تزداد سوءا. هذه الحال تشابه حال كوريا الشمالية التي بددت مقدراتها لبناء سلاح نووي حتى تفشت فيها المجاعة.

[email protected]