أنصار و«دراويش»

TT

عاش البريطانيون أهم مراحل ومفارق تاريخهم خارج الجزيرة المعروفة باسم المملكة المتحدة. أحبوا الهند أكثر مما أحبوا لندن، وظنوها باقية إلى الأبد. وتعلقوا بمصر أكثر مما تعلقوا باسكوتلندا. وهاموا ببلاد السودان التي كانت تتحدث 400 لغة وخيَّل إليهم أنها سوف تكون غلال الإمبراطورية إلى ما شاء الله. وفي الهند، دمر حلمهم وأنهى الإمبراطورية محامٍ يعرف باسم غاندي.

وفي مصر بدأ مسار الثورة ضابط يدعى أحمد عرابي. وفي السودان ألحق بهم الهزيمة الكبرى رجل يدعى محمد أحمد، سوف يعرف بالمهدي، وسوف يعرف رجاله باسم الأنصار، الذين سماهم البريطانيون «الدراويش».

كان محمد أحمد رجلا عجيبا عرف كيف يضرب «الإنكليز» في مكامن الضعف لا في نقاط القوة. لم يبدأ الحرب عليهم في الخرطوم حيث الحامية الكبرى، بل بدأها في شيكان، كردفان. أرسل الخديو توفيق أكبر قوة ممكنة إلى الداخل السوداني لكي يهزم المهدي. كانت مؤلفة من 8300 من المشاة و2000 من الخيالة و18 مدفعاً وعشرات الرشاشات وقطار محمل بالمؤن والذخيرة و2000 رجل و6 آلاف جمل وبغل وحمار. وكان يفترض ألا يصمد جيش المهدي أمام هذه القوة الطاغية، وهو مسلح بالحراب والعصي والسيوف.

لكن القوة المهدية كانت تملك ما لا تملكه «القوة المصرية»: المعنويات! وقد أرسل هؤلاء إلى السودان في حالة رثة. ووجد ضابط بريطاني تفقد القوة، أن معظم رجالها كانوا قد قطعوا بناصرهم التي تطلق الزناد، لكي لا يجندوا. والبعض الآخر فركوا أعينهم بالليمون لكي يصابوا بالعمى.

هكذا كان حال القوة التي أرسلت لاستعادة منطقة الأبيض، وكانت قوات المهدي في انتظارها في غابة شيكان المليئة بالعوسج والفخاخ في تشرين الثاني 1883. وفي الرابع منه تسللت قوة المهدي، بقيادته، عبر أسلاك الشوك، لكي تقوم بالهجوم. انهالت النار على القوة المصرية من كل مكان فيما لم يستطع المصريون رؤية مهاجميهم أو تبين مواقعهم.

كان عدد المهديين يزيد على عدد المهاجمين أربعة أضعاف. يقاتلون في أرض يعرفونها وبمعنويات مرتفعة. عدت إلى هذا التاريخ لأتساءل ماذا حصل لحفيده الصادق؟ هل مسموح له التكلم أو التنقل في الخرطوم التي انتزعها جده من الجنرال غوردون، «فخر» جنرالات بريطانيا؟ وهل يسمح له أن يقوم بزيارة صهره، الدكتور حسن الترابي، في الإقامة الجبرية؟ طمنونا عنكم.