استغراب خليجي من مواقف قطر

TT

في الأزمات تكثر المزايدات والاتهامات، صار هذا عرفا، والضمانة دائما أن ليس كل ما يعرف يقال، خصوصا في ما حدث بالنسبة للقمم العربية أخيرا، التي صُنف العرب على أساسها بين عرب «الممانعة» وعرب «الاستسلام». رغم أن لا معنى لهاتين الكلمتين، لأن «اتصالات» عرب الممانعة تنبئ بالاستعدادات لكل ما هو متوقع، رغم كل النفي. ومع انضمام عرب «الممانعة» إلى الصف الإيراني، أُدخلت إيران إلى المعادلة، وإذا كان مبررا الموقف السوري والموقف الايراني على اساس ان كل دولة تريد من اكثار استيلائها على الاوراق العربية، ظل الموقف القطري مستغربا. ولاحظ المسؤولون الخليجيون ما جرى في قمة الرياض التي عقدت قبل القمة العربية الاقتصادية في الكويت، حيث ان أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني كان يعبّر في كل لقاءاته، سواء مع القادة، او في اللقاءات الثنائية، عن سخطه من «التمادي» الأميركي واشمئزازه من رد الفعل الإسرائيلي. كان يقول للقادة الخلييجيين ان ما يجري في غزة امر اكثر من مأساوي يسبب اليأس للعرب والقادة العرب، وان هؤلاء اذا لم يتحركوا فسيتعرضون لغضب شعوبهم، ومن هذا المنطلق لا بد من انعقاد قمة، وابراز وقفة متماسكة.

كان رد القادة الخليجيين، أن لا مشكلة في انعقاد قمة، لكن، هناك اجتماع في الكويت لوزراء الخارجية العرب، وهو استكمال لاجتماع سابق لوزراء الخارجية الذي على ضوئه توجه وفد عربي الى نيويورك، حيث استصدر قرارا من مجلس الامن رقم 1860، ثم ان اجتماع القاهرة ذاك لم يغلق، بل هو اجتماع مفتوح وبسببه جاءت الدعوة لاجتماع الوزراء في الكويت لبحث خطوات التحرك المقبلة، وعلى ضوء ما يستجد قد تتم الدعوة للقمة. اكد القادة الخليجيون انهم، ليسوا ضد انعقاد قمة، انما هناك اصول، وأهم شيء ان تبقى القمة:

أولا - تحت المظلة العربية، على اساس ان الاجتماع هو اجتماع جامعة الدول العربية، وليس لأي منظمة اخرى، وبالتالي فإن الإتيان بطرف ثالث من هنا او هناك، غير مقبول وليس مطروحا للنقاش.

ثانيا - أن يكون الاجتماع رسميا للدول المعترف بها في الجامعة العربية، وليس بالتالي اجتماعا لفصائل، او لجمعيات مدنية او لطوائف سياسية، بل اجتماع للرسميين الذين يجلسون خلف اعلام بلادهم.

كانت هاتان النقطتين اللتين تم الاتفاق عليهما في قمة الرياض التي عقدت يوم الخميس 15 يناير (كانون الثاني)، وفي تلك القمة اكد امير قطر امام كل القادة الخليجيين موافقته على هاتين النقطتين، وانتهى ذلك الاجتماع بعد منتصف الليل. عاد الوفد الكويتي الى الكويت للتحضير لقمته الاقتصادية التي يُعد لها منذ سنة، ليفاجأ بأن «قمة الدوحة» لا تزال قائمة، وان رئيس السلطة الفلسطينية (محمود عباس) مدعو، وغيره من الفلسطينيين مدعوون أيضا.

عند الساعة العاشرة من صباح الجمعة 16 يناير (كانون الثاني)، كانت المفاجأة الثانية بوصول الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد للمشاركة في «قمة الدوحة». اتصل الكويتيون ليستفسروا من القطريين، فجاءهم الجواب: لقد تم الاتفاق ودعوة أحمدي نجاد قبل ساعة من وصوله.

ويتساءل امامي مسؤول كويتي: «هل يعقل، أن يتم إبلاغ رئيس دولة قبل ساعة واحدة ليشارك في مؤتمر خارج بلاده»؟

كان واضحا، بنظر الخليجيين ان الاجتماع القطري أتى تلبية لرغبات إيرانية على حساب مصلحة، ليست فقط عربية، إنما في الأساس توجيه ضربة لمصر، وضربة للسعودية، وإعطاء الانطباع بأن هؤلاء الذين ينادون باستمرار عملية السلام او المبادرة العربية، هم أناس «جبناء»، وإعطاء الانطباع الآخر بأن من يقف مع الشارع ويقف ضد مسألة السلام هم فريق المرحلة، بينما الآخرون فريق مرحلة انتهت.

ولم يغب عن ملاحظة الكويت ما ظهر في قاعة اجتماع الدوحة، من يافطات وتحضيرات لا يمكن ان تتم كلها في ظرف ساعة. بمعنى ان قطر عندما وعدت في الرياض بأنها ستلتزم بما اتفق عليه، كانت عازمة على عقد «مؤتمر الدوحة»، ويقول لي محدثي: «نحن لا نقرأ النيات». ومع هذا، وصلت قطر الى حد الطلب كي تكون المشاركة الخليجية في «مؤتمر الدوحة» ولو على مستوى اصغر دبلوماسي في اي سفارة. ويضيف محدثي: «هذا ديدن السياسة القطرية في تعميق الشرخ لدى اللبنانيين والفلسطينيين، إنما في «مؤتمر الدوحة» وصلت الى العراق. عرفنا انه حصل دعم للوقف السني في العراق وحضر طارق الهاشمي من دون اي تفويض رسمي عراقي».

ويتساءل محدثي: «لماذا لم يتم إغلاق المكتب الإسرائيلي في قطر إلا بعد ثلاثة أسابيع من شلال الدم في غزة. لماذا الانتظار»؟ وهذا ما قاله أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد لأمير قطر عندما حضر الى قمة الكويت، وطالب ان تتضمن مقررات القمة ما أقرته الدوحة. الكويت رفضت لأن اجتماع الدوحة لم يتم تحت أي مظلة رسمية شرعية، وبالتالي لا يمكن ان تقبل مقرراته، كان تجمعا لرؤساء دول وفصائل، لذلك كان البيان الختامي في الكويت بالعودة الى ما تم الاتفاق عليه في مؤتمر وزراء الخارجية العرب.

يشعر المراقبون بأنه ليس من الصعب ترجمة الموقف السوري مثلا، إنما تكمن الصعوبة في الموقف القطري، ويسود الاعتقاد بأن مواقف قطر تأتي لرغبتها في درء شر الإيرانيين، خاصة بالنسبة الى حقول الغاز القطرية، ولذلك «تقوم قطر بتنفيذ مخططات إيران في المنطقة أكثر من السوريين».

فوجئت الكويت يوم وصول القادة العرب للمشاركة في القمة، برغبة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إرسال موفد من قبله هو وزير الخارجية منوشهر متقي، الى الكويت، حاملا رسالة. لكن اعتذرت الكويت عن استقباله «نظرا لانشغال وازدحام مواعيد أميرها».

عندما أدركت إيران تعذر نجاحها في إرسال موفد يتناسب وصوله مع وصول القادة العرب، طلبت إجراء اتصال هاتفي قبل القمة. أجرى أمير الكويت الاتصال الهاتفي إنما بعد ما ودع كل القادة المشاركين. وكان احمدي نجاد يرغب في توجيه رسالة الى المجتمعين من القادة العرب، على اساس انه شارك سابقا في قمة خليجية عقدت في قطر.

لا تجد الكويت ودول الخليج تبريرا لموقف قطر، ويقول لي سياسي خليجي: «من يلعب بالنار لن يسلم منها. المهم ان محاولات قطر لم تنجح في النهاية». لكن، يضيف: «ان قطر تقوم بهذه التحديات بسبب وجود القواعد الأميركية فوق أرضها، لأن لا خيار امام أميركا في الوقت الحالي لنقل قواعدها، ويضيف: لاحقا لن تجد أميركا مشكلة في نقل قواعدها الى دولة خليجية أخرى. ويلفت إلى انه بغض النظر عن الاعلام والتحريض، فان كل امر عسكري تقرره أميركا لينطلق من قواعدها العسكرية في قطر، لا يلقى اي اعتراض، كما ان قطر لا تقوم بأي مناورة لتدعي الرفض، وهذا يؤكد ارتياح الأميركيين لهذه المعاملة بغض النظر عن استعراض العضلات في الاعلام.

وبسبب الخلافات العربية التي تؤثر على المشاركة في القمة العربية اذا ما انعقدت في عاصمة عربية معينة، حتى لو كانت مقررة سابقا، كما حدث مع قمة دمشق العام الماضي، وما قد يحدث مع قمة الدوحة بعد شهرين، جرت تساؤلات جانبية حول محاولة اتباع المنهج الاوروبي. فالخلافات الاوروبية كثيرة، لكن الدول الست والعشرين تنجح في الاجتماع مرة كل ستة اشهر في بروكسيل. ورأى مسؤول عربي، انه اذا كان العرب يريدون اكل العنب وليس قتل الناطور، فالاولى بهم ان يقرروا عقد قممهم دائما في الامانة العامة للجامعة العربية لتجنب التعقيدات والمستجدات والمزايدات، خصوصا ان دولا تعتذر عند انعقاد القمة في دولة معينة، مثلما صار بحكم المؤكد ان مصر لن تشارك في قمة الدوحة المقبلة، وقد تعتذر دول اخرى، لأن غضب مصر وقلقها اكبر من قصة غزة ومسألة معبر رفح. والكل يعرف ذلك انما المزايدات صارت سيدة الميدان طالما ان الشارع العربي يتحرك حسب ضجيج الخطب، ولا يتوقف عند قول خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الذي كان يعرف «الفائدة» من إطلاق الصواريخ: «سنربح معركة الرأي العام الدولي إذ عندما سيرى العالم أطفالنا يموتون عندها ستكون إسرائيل قد خسرت الحرب»!

إذا كانت هذه هي الاستراتيجية العسكرية لمواجهة إسرائيل التي تستند عليها دول «الممانعة»، فحري بالشارع العربي ان يعتذر من هؤلاء الأطفال، وأن يبدأ المحاسبة ويتوقف عن الانجرار وراء المزايدات.