هذا ما يحتاجه الأميركيون

TT

الآن، بات واضحا أمام الجميع أننا قد ورثنا أزمة اقتصادية تفوق في عمقها وضخامتها أيا من الأزمات الأخرى التي جابهناها منذ الكساد الكبير، حيث تلاشت ملايين الوظائف التي اعتمد عليها الأميركيون حتى عام واحد مضى، واختفت ملايين الدولارات التي ناضلت الكثير من الأسر بجد لبنائها للمستقبل. ويشعر الناس في كل مكان بالقلق حيال ما سيحمله الغد.

وينتظر الأميركيون من واشنطن اتخاذ إجراءات عملية طارئة على مستوى الحاجة الملحة التي يشعرون بها في حياتهم اليومية، بمعنى إجراءات سريعة وجريئة وحكيمة بالقدر الكافي لمساعدتنا على الخروج من هذه الأزمة بسلام.

وذلك لأن كل يوم يمر قبل أن نشرع في العمل لتحويل دفة اقتصادنا يخسر المزيد من الأفراد وظائفهم ومدخراتهم ومنازلهم. وحال عدم اتخاذ إجراء عملي حيال ذلك، فإن هذا الكساد ربما يستمر لسنوات قادمة. وتشير التقديرات إلى أن اقتصادنا سيخسر 5 ملايين وظيفة أخرى، وستقترب معدلات البطالة من مستوى 10%. وستغرق أمتنا بدرجة أكبر في أزمة قد نعجز عند نقطة ما في تحويل مسارها.

لذا، أشعر بحاجة ملحة بضرورة تمرير خطة الإنعاش الاقتصادي المطروحة أمام الكونغرس، فمن خلالها، سنتمكن من خلق أو الحفاظ على ما يزيد على 3 ملايين وظيفة على امتداد العامين القادمين، علاوة على خفض الضرائب على كاهل 95% من العمال الأميركيين، وتحفيز الإنفاق من جانب الشركات التجارية والمستهلكين على حد سواء، والتحرك باتجاه تعزيز بلادنا لسنوات قادمة.

في الواقع، تتجاوز هذه الخطة كونها مجرد صيغة للإنفاق قصير الأجل ـ وإنما تشكل استراتيجية للنمو الأميركي طويل الأجل وخلق فرص بقطاعات مثل مواد الطاقة المتجددة والرعاية الصحية والتعليم. كما أنها استراتيجية من المقرر تنفيذها بدرجة غير مسبوقة من الشفافية والمساءلة، بحيث يتمكن الأميركيون من معرفة مصير أموال الضرائب التي يدفعونها وكيفية إنفاقها.

على مدار الأيام الأخيرة، تعرضت الخطة لانتقادات مضللة حملت أصداء للنظريات الفاشلة التي ساعدت في توريطنا في هذه الأزمة ـ مثل فكرة أن التخفيضات الضريبية وحدها بإمكانها حل مشكلاتنا كافة، وأن باستطاعتنا المرور من الاختبارات العصيبة التي نجابهها اعتماداً على أنصاف حلول وإجراءات تدريجية، وأنه بمقدورنا تجاهل التحديات الجوهرية أمامنا مثل الاعتماد على الطاقة وارتفاع تكاليف الرعاية الصحية، ويبقى لدينا رغم ذلك إيمان بأن اقتصادنا ووطننا سيزدهران.

من جانبي، أرفض مثل هذه النظريات، وكذلك كان موقف أبناء الشعب الأميركي عندما توجهوا إلى صناديق الاقتراع وصوتوا بقوة لصالح التغيير. ويعي الأميركيون أننا سبق أن جربنا بالفعل هذه السبل لفترة طويلة للغاية. وبسبب ذلك، لا تزال تكاليف الرعاية الصحية لدينا ترتفع بمعدل أسرع من التضخم. كما أن اعتمادنا على النفط الأجنبي لا يزال يهدد اقتصادنا وأمننا. ولا يزال أطفالنا يتلقون تعليمهم داخل مدارس وضعتهم في موقف سلبي، ونعاين بأنفسنا التداعيات المأساوية لذلك عندما تتداعى الجسور وتنهار سدودنا.

مع كل يوم يمر، تزداد أوضاعنا الاقتصادية تردياً ـ والآن حان الوقت لطرح حل يعيد الأميركيين إلى وظائفهم ويدفع عجلة الاقتصاد مجدداً ويوجه استثمارات في نمو مستديم.

والآن، حان الوقت لحماية التأمين الصحي لما يزيد على 8 ملايين أميركي يواجهون مخاطرة فقدان مظلتهم التأمينية وتحويل جميع سجلات الرعاية الصحية لكافة الأميركيين إلى بيانات داخل الحاسب الآلي في غضون خمس سنوات، وتوفير مليارات الدولارات وعدد لا يحصى من الأرواح من خلال تنفيذ ذلك.

والآن، حان الوقت لتوفير مليارات الدولارات من خلال جعل مليوني منزل و75% من المباني الفيدرالية أكثر ترشيدا في استهلاك الطاقة، ومضاعفة قدراتنا بمجال استغلال مصادر بديلة للطاقة في غضون ثلاث سنوات.

والآن، حان الوقت كي نمنح أطفالنا جميع المميزات التي يحتاجونها للمنافسة داخل سوق العمل عبر تحديث 10000 مدرسة بإمدادها بأحدث الفصول الدراسية والمكتبات والمعامل، وتدريب مدرسينا بمجالات الرياضيات والعلوم، وتحقيق حلم جعل التعليم الجامعي في متناول ملايين الأميركيين.

والآن أيضاً حان الوقت لخلق وظائف تعيد رسم وجه أميركا بما يتلاءم مع القرن الحادي والعشرين عبر إعادة بناء الطرق والجسور والسدود المتهالكة، وتصميم شبكات كهرباء ذكية، وربط أرجاء البلاد كافة بنظام معلوماتي بالغ الضخامة للاتصالات.

تلك هي الإجراءات التي ينتظر الأميركيون منا اتخاذها من دون إبطاء. وقد أبدى الأميركيون صبرهم بالفعل عندما علموا أن خطة الإنعاش الاقتصادي ستُقيم نتائجها بالسنوات، وليس الشهور. لكن الأميركيين ليس لديهم صبر إزاء نفس النزاعات الحزبية القديمة التي تقف عقبة في طريق العمل في وقت يتهاوى فيه اقتصادنا.

وبذلك يتضح أن علينا اتخاذ اختيار بين مسارين، فباستطاعتنا ترك العادات القديمة لواشنطن تعيق مجدداً الطريق نحو التقدم، أو يمكننا الوقوف بحزم والقول إنه في أميركا نصنع قدرنا بأيدينا. وباستطاعتنا تقديم الأفكار الجيدة على المشاحنات الأيديولوجية القديمة، والشعور بالعزيمة على التعصب الحزبي ضيق الأفق الذي عهدناه في الماضي. ويمكننا العمل بجرأة من أجل تحويل الأزمة إلى فرصة، وأن نكتب معاً فصلاً جديداً في تاريخنا ونجابه الاختبار الذي يفرضه حاضرنا.

* رئيس الولايات المتحدة