السيد والدكتور والجنرال: ما الذي ترغبون فيه أكثر من ذلك؟

TT

ربما ما زال هناك خمسة أشهر قبل موعد إجراء الانتخابات الرئاسية الإيرانية، لكن الحملة الانتخابية تشهد زخما كبيرا بالفعل.

على الرغم من أن أحدا لم يعلن عن رغبته في التقدم للترشح للرئاسة إلى الآن، فإن الواضح أن عددا كبيرا من أقطاب النظام يحاولون الإلقاء بقبعاتهم وعمائمهم إلى حلبة السباق.

وبحسب العادة المتبعة في إيران، فإن الانتخابات التي ستجرى في يونيو (حزيران) المقبل ستكون أمرا روتينيا، فرؤساء الجمهورية الإسلامية منذ عام 1982 دائما ما يسمح لهم بالفوز بفترة رئاسية ثانية دون معارضة كبرى.

لكن تختلف الأمور هذه المرة، فالرئيس أحمدي نجاد أثار معارضة كبرى داخل مؤسسة الخميني، إذ ترى الفصائل القوية في النظام أن فترة رئاسية ثانية بالنسبة إلى رئيس متطرف، تعد تهديدا، ليس فقط للميزات التي يتمتعون بها، ولكن للتوقعات بعيدة المدى للنظام.

وينقسم أعداء أحمدي نجاد داخل النظام إلى ثلاث مجموعات: تتكون المجموعة الأولى من الملالي الذين كونوا ثروات منذ قيام الثورة، ويخشون أن ينتهي الأمر بنجاد باستهدافهم.

ويعد هاشمي رافسنجاني، الرئيس الأسبق، والذي لا يزال لاعبا قويا داخل النظام، هو الأشهر بين هؤلاء الملالي. لكن في العام الماضي، خطط نجاد لتعديل قانون الانتخابات بحيث لا يسمح لمن تخطت أعمارهم السبعين الترشح للرئاسة، وكان من الواضح أن التعديل قد صمم لإقصاء رافسنجاني الذي يبلغ من العمر 72 عاما. وكما يبدو، لا تملك هذه المجموعة حامل لواء يقود حركتها. ويعتقد البعض أن رافسنجاني وجماعته سينتظرون لرؤية أي المرشحين الأكثر احتمالية لهزيمة نجاد قبل أن تدفع أموالها.

أما المجموعة الثانية الرافضة لتمديد حكم نجاد لفترة رئاسية أخري، فتضم مزيجا من الملالي وموظفي الحكومة وأصحاب الأعمال، الذين يرون أن ثورة الخميني لا تزال تسير في مسارها، وأن على إيران الآن التغير والتصرف كدولة، لا كحركة ثورية. والأشهر بين تلك المجموعة هو محمد خاتمي الرئيس السابق، والذي يحتل تصنيفا متوسطا بين الملالي.

خلال فترة حكمه، انشغل خاتمي بالانتباه المنصبّ عليه من قبل بعض الدوائر الغربية، التي أملت في أنه سيساعد إيران في إنهاء الفصل الثوري وبداية عصر التطبيع.

لكن المشكلة هي أن خاتمي لا يحظى إلا بدعم ضئيل داخل مؤسسة الخميني، حيث يراه كثيرون مفرطا في الاهتمام بالذات، ضعيفا ومضطربا يسعى إلى الحصول على ثناء الغرب. وتعد الطريقة الوحيدة التي من الممكن أن يفوز بها خاتمي هي إقناع الجماهير الإيرانية التي لم تعد تؤيد نظام الخميني بالتصويت له كأقل الضررين، مقارنة بأحمدي نجاد. ويتطلب ذلك انفصالا علنيا عن النظام، وهو أمر قد لا يتملك خاتمي الجرأة لمحاولة القيام به.

أما المرشح الثاني فهو مهدي كروبي، الذي يأتي في مرتبة متوسطة بين الملالي، أيضا، والذي شغل من قبل منصب رئيس المجلس الإسلامي (البرلمان). غير أن كروبي لا يجد دعما داخل المجتمع الإيراني، في الوقت الذي لا تتمتع فيه قاعدة دعمه داخل المؤسسة الخمينية بالقوة الكافية لدفعه للفوز.

أما المرشح الثالث المحتمل فهو مير حسين موسوي خامنئي رئيس الوزراء الأسبق، الذي كان المرشح المفضل لليسار والمؤسسة، لكنه لا يزال غامضا، فقد ظل صامتا منذ عام 1989، عندما اضطر إلى التراجع أمام خصومه الذين يتقدمهم رافسنجاني، والذين قاموا بتعديل الدستور وإلغاء منصب رئيس الوزراء. لكن كسر موسوي هذا الصمت الشهر الماضي، بهجوم لاذع على أحمدي نجاد، محذرا من أن سياسات الرئيس أودت بالبلاد إلى حافة الهاوية. وتتلخص مشكلة موسوي في أن غالبية الإيرانيين لا يتذكرونه بعد قضاء ما يقرب من ربع قرن على الهامش.

أما المجموعة الثالثة التي تعارض أحمدي نجاد، فتتألف من أشخاص يشاركونه نفس الأيديولوجية الراديكالية، لكنهم يعتقدون أنه شخصية متهورة لا تصلح لقيادة الدولة الإيرانية في هذه الأجواء المضطربة. وحتى الأسبوع الماضي كان أبرز المتسابقين في هذه المجموعة عمدة طهران محمد باقر قاليباف الجنرال الأسبق في مؤسسة الحرس الثوري، الذي حل في المرتبة الأخيرة في الانتخابات الرئاسية الماضية، عندما جاء في المرتبة الخامسة، خاسرا أمام أحمدي نجاد. ونظرا إلى أن نجاد يعلن أنه مرشح الحرس الثوري، فإن المتحدي الجديد قد يُضعِف مركزه في انتخابات يونيو (حزيران) المقبلة.

غير أن التحدي الأكبر الذي يمكن أن يواجهه نجاد، قد يكون مع مؤسسة الحرس الثوري، فقد يأتي التحدي من الجنرال يحيى رحيم صفوي رئيس أركان الحرس الثوري السابق والمستشار العسكري لـ«المرشد الأعلى» للثورة الخمينية علي خامنئي. وما أكد أن صفوي سوف يلقي بقبعته في حلبة السباق، هو قيامه الشهر الماضي بإطلاق موقعه على الإنترنت، في بداية سلسلة من الجولات الإقليمية لتنظيم مجموعات عمل سياسية.

ويستخدم صفوي لقب «السيد» للتأكيد على مزاعمه بالانتساب إلى نسل الحسين بن علي الإمام الثالث للشيعة، كما أنه أيضا يستعمل لقب «الدكتور» لإبراز مكانته الأكاديمية.

إذا دخل صفوي السباق فمن المؤكد أنه سيجذب الكثير من الدعم داخل المؤسسة الخمينية، كما أنه مرتبط بشبكة مصالح أعمال تتحكم في قطاع كبير من الاقتصاد الإيراني.

يعد صفوي المرشح الوحيد الذي رحب علانية بدعوة باراك أوباما الرئيس الأميركي إلى التغيير، مشيرا إلى الرغبة في فتح حوار مثمر مع واشنطن، ويحاول صفوي، من خلال أخيه وأقاربه، الذين يرتبطون بمصالح تجارية مع حكومات دول أوروبا الغربية، العمل لتعزيز العلاقات التجارية مع طهران. ومن خلال صفوي، قد تتمكن مؤسسة الحرس الثوري من القيام بخطوتها الأخيرة في لعبة الشطرنج، التي صممت لوضعها بصورة مباشرة في الحكم في طهران، وخلال السنوات الأربع الماضية، كان نجاد مرشح الحرس الثوري وقد فاز، على الرغم من أنه لم يكن عضوا فيه، وقد تود مؤسسة الحرس الثوري اتخاذ خطوة أبعد بوضع أحد رجالها في منصب الرئيس في الانتخابات المقبلة، وحتى الآن لا يبرز من بين المرشحين المحتملين للرئاسة سوى صفوي.