التاجر الفنان!

TT

إعجابي بالموسيقار محمد عبد الوهاب يجعلني أقول: إن عبد الوهاب «التاجر» هو الذي أنقذ عبد الوهاب «الفنان»، أو إن محمد عبد الوهاب مثل العملة الفضية، التي هي خليط من النحاس والفضة.. النحاس منعها من التآكل، والفضة صانتها من الصدأ.. فجعلتها لامعة..

وفي هذا بعض الظلم لمحمد عبد الوهاب.. فليس هو الوحيد الذي ينفرد بهذه الصفات، فكل الناجحين كذلك.. وكل صاحب موهبة حريص على قيمتها الأدبية والمادية.. وهذا الحرص الشديد هو النحاس الذي يصون الفضة.

جلسنا نرصد عددا من الأدباء اللامعين كالفضة، مع أنهم من النحاس اللامع. كيف يكون الإنسان تاجرا فقط، ثم أفلح في أن يوهم الناس بأنه فنان كبير؟

وقيل في تفسير ذلك: إنه الإلحاح على عيون وآذان الناس.. حتى توهَّم الناس أنه كبير حقا، ولكنه ليس كذلك.

ووجدنا أن عددا كبيرا من الفنانين أكثر عمقا، وأغزر إنتاجا. ورغم كثرة الفضة في عملاتهم، فإنهم لا يلمعون، كأنهم من النحاس، أو من الرصاص.. ووجدنا السبب: أنهم اختاروا الظلام.. فلا يصلهم نور الشمس، أو نور النجوم، ولذلك لا يعرفون الناس..

هذا هو التواضع الخانق.. وذلك هو الادعاء الواسع الانتشار الذي يضيف إلى صاحبه عمرا آخر بعد انتهاء عمره الافتراضي..

وجلسنا نحصي عدد الكتب، وعدد اللوحات، وعدد التماثيل لهؤلاء المشاهير جدا.. فوجدناها قليلة.. والقليل منها جيد.. وهذا الجيد لا يستحق عليه صاحبه كل هذه الشهرة وهذه الحفلات. إن هؤلاء الفنانين المتواضعين لا يعرفون الشاعر القديم الذي قال: «ومَنْ لا يكرم نفسَه لا يكرم»، أي الذي لا يعرف قَدْر نفسَه، فلن يعرف أحدٌ قَدْرَه. أي الذي لا يعطي لنفسه ثلاثة من عشرة، يعطيه الناسُ صفرًا من عشرة!

إنني أعجب بمحمد عبد الوهاب، صاحب المواهب والحارس لها!!