الإرهاب بين اليمن وإيران

TT

مع كشف وزارة الداخلية السعودية عن قائمة 85 مطلوبا أمنيا بتهمة الانتماء لتنظيم «القاعدة» والتخطيط للقيام بأعمال عدوانية ضد السعودية والأردن، برزت ملاحظة جديرة بالاهتمام، وهي أن أبرز رقعتين جغرافيتين لتحرك المطلوبين هما اليمن وإيران.

فقرابة 41 في المائة من الأشخاص في القائمة، الذين تم رصدهم مؤخرا، كانوا إما بالأراضي الإيرانية أو في المثلث الإيراني- الأفغاني- الباكستاني. والغريب أن آخر التحاق لعناصر «القاعدة» الجدد بالأراضي الإيرانية كان قبل 5 أشهر، وليس بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، أو سقوط نظام صدام حسين.

وعندما نقول إن ذلك أمر غريب فهو بسبب أن فرار المنتمين لـ«القاعدة» إلى اليمن أمر مفهوم بسبب وجود مناطق تعد خارج سيطرة الحكومة المركزية اليمنية، من صحارى وجبال تستطيع «القاعدة» تسخيرها كمعسكرات تدريب، ناهيك عن الأبعاد القبلية، وإن كنا نرى الرئيس اليمني يجوب البلاد، ملتقيا القبائل للتشديد على خطورة «القاعدة»، وضرورة محاربتها.

لكن المحير هو احتضان العدو لعدوه، خصوصا أن العداء بين «القاعدة» وإيران هو عداء عقائدي. فكثيرا ما أظهرت «القاعدة» في أدبياتها مدى عداوتها لإيران، كما أن طهران دائما ما تستخدم اسم «القاعدة»، داخليا وخارجيا للإساءة للسعودية، ومحاربة الفكر السني في العالم العربي والإسلامي، وحتى في الغرب.

سر الاستغراب هو أن إيران دولة مركزية تبسط سيطرتها ونفوذها على كامل أراضيها، وتعد في ذروة العمل الاستخباراتي الآن، وبالتالي لا يمكن أن تكون «القاعدة» مجردة ذبابة على ظهر الفيل الإيراني من دون أن يعلم بوجودها!

هذه المسألة تحتم ضرورة طرح التساؤلات عن ما حدث ويحدث في العراق، من قبل «القاعدة»، فلا يمكن أن يستطيع التنظيم الإرهابي أن يفعل كل ما فعله في العراق من دون دعم دولة محددة، والأمر نفسه في لبنان، خصوصا أيام أحداث نهر البارد.

كما أن المسألة تحتم ضرورة التنبه لتحالف آخر واضحة معالمه في منطقتنا بين تيار كبير من الإخوان المسلمين وإيران، وهذا يدعونا إلى ضرورة دراسة فكر «القاعدة» جديا، وجذورها الدينية الحقيقية لمعرفة أبعاد المشكلة.

والأمر الذي يجب أن يقال هنا، وتحديدا للسعوديين، هو أن مطاردة المطلوبين أمنيا يجب ألا تشغل السعودية عن ضرورة التنبه للمحرضين، الذين يستغلون كل أزمة إقليمية، ولو كانت فلسطين، لشحن هؤلاء الشباب.

فأعمار بعض المطلوبين تصيب المرء بالصدمة، خصوصا أنه من الواضح أن بعضا منهم كان طفلا وقت وقوع أحداث 11 سبتمبر الإرهابية، وكلنا يعي، ويعرف أن جهدا كبيرا بذل في السعودية لمحاربة هذا الفكر الضال.

إلا أن الإشكالية هي في عدم الشروع في الحرب الفكرية بضراوة، فكما أن النار من مستصغر الشرر، فإن الإرهاب يأتي من مستصغر التجاوزات. لذا يجب فرز بعض السلوكيات، والآراء، وإدانتها وفق منطق هيبة الدولة.

فالإرهاب في أساسه ليس جهدا دينيا، بقدر ما أنه تجاوز على هيبة الدولة.

[email protected]