عندما هزمت بالضربة القاضية

TT

مشكلتي أنني أنسى أحياناً بعض (الأسماء) - جلّ من لا ينسى أو يسهو - رغم أنه من مزاياي أن (الملامح) من الصعب أن تتوه مني، فعيني ترصدها مثلما ترصد الكاميرا (الفوتوغرافية) الأشياء، وذاكرتي تخزنها مثلما يخزن الرجل البخيل نقوده في صندوقه (التجوري).

فلكل وجه (بصمته) الخاصة التي لا تتكرر، فهناك وجه حاد الملامح، وغيره مسمسم ومنمنم ومقطقط، وآخر عريض ومفرطح، وآخر وجهه مدحو هواء ككرة (الباسكت بول)، أو مدحو شحم (وكوليسترول) كإلية الخروف، وآخر وجهه كله عظام بارزة كجمجمة (المومياء)، ووجه آخر (FLAT) -مسطح وبارد وبليد وكأنه مرسوم (بالطباشير) على لوح أسود، ووجه كله (SPICY) متألق (بالمغناطيسية) تمنيت لو أنك أكلته أكلا.

طبعا هذا غير الوجه المعرفط، والمدلدل، والمسلتح، والمصّرقع، والمجدور، والمنتوف، والمبرشم.

هذه مقدمة لا بد منها لتعرفوا فقط أن ذاكرتي من ناحية الملامح هي ذاكرة (فيل) - وهم يضربون به المثل في شدّة ذاكرته - أما من ناحية الأسماء فذاكرتي ذاكرة (قنفذ) أصنج وأبكم.

ما علينا، المهم تقابلت مع رجل في مناسبة اجتماعية، وجه ذلك الرجل لا تنكره عيناي، غير أن اسمه قد غاب نهائياً عني، سلم عليّ سلاماً حاراً تخللته (مطق) القبلات، ناداني باسمي قائلا: ما عرفتني؟!، عندها أسقط في يدي ولا أدري كيف أتصرف، غير أنني اعتقدت لو قلت له: أعرف، سوف يطلق سراحي وأمضي في حال سبيلي، لهذا قلت له: ولو (!!)، كيف ما أعرف، وهل يخفى القمر؟!، وصدمت عندما سألني قائلا: طيب أنا مين يا شاطر؟!، عندها أخذت أتحرك في مكاني يمنة ويسرة والرجل ممسك بكتفي، ويبدو أن أحدهم كان بجانبنا وشاهد حرجي الذي كنت فيه، فتدخل يريد أن ينقذني ويذكر لي اسم الرجل، غير أنه صاح به قائلا: أرجوك لا تتدخل بيننا اتركه هو يقول: هاه يا مشعل، اسمي إيه؟!، ووقفت مبلّما، فقال: سقى الله أيام زمان، (نسينا ما كلينا)؟!، عندها سألته بكل طيبة وسذاجة: ماذا أكلنا؟!

الخلاصة أنه لوّعني وأحرجني واعتقلني لمدة نصف ساعة كاملة وهو يلح عليّ بمعرفة اسمه وكأنني في حصة امتحان، وبعد أن يئس تركني وهو يقول: مع الأسف أن الذي (ما يعرف الصقر يشويه)، يا خسارة الرجال أصبحوا قليلين في هذا الزمان، وأدار لي ظهره دون أن يودعني، وبالمقابل أدرت أنا ظهري للمكان بكامله وخرجت.

أي إحراج يقع فيه إنسان قليل الحيلة مثلي بهكذا موقف؟!، لا شك أن جبينه سوف يتفصد عرقاً، لهذا فأنا أقدر (الإتيكيت) الذي يحبذ على من يلتقون بمناسبة عامة أن يصافح بعضهم بعضاً، وبدلا من القبلات الممجوجة، فذوقياً أن يقول كل واحد للآخر اسمه وهو يصافحه، بدلا من أن يتهزأ ويقع البعض من أمثالي بالإحراج وكثرة الأسئلة التي يتلقاها من أمثال ذلك الرجل الذي انتصر عليّ بالضربة الفنية القاضية.

وكان ألطف تعريف تم بين طلبة عرب مبتعثين في دولة أوروبية، وقدر لرئيسهم أن يزور تلك الدولة، ومن ضمن برنامجه رغب بأن يلتقي بأبنائه الطلبة، وفعلا حدد لهم الموعد في السفارة.

وقرر الطلبة أن يرشحوا أكثرهم ذكاء وفطنة، ليقدمهم للرئيس واحداً واحداً، وفي الليلة المشهودة احتشد الطلبة في الصالة الكبيرة وراء بعضهم في صف طويل، فيما وقف الرئيس منتصباً في صدر الصالة، وبدأ الطلبة يتحركون، وكلما صافح أحدهم الرئيس، قال المعرف (النابغة) للرئيس: الطالب (فلان الفلاني)، وأتبعها وهو يشير للرئيس ويقول: سيادة الرئيس (فلان الفلاني)، وكأن الطلبة لا يعرفون اسم رئيس دولتهم!

كان الرئيس طوال الوقت يضحك، والطلبة أيضاً يضحكون، ومع ذلك استمر الطالب الذكي الفطن بالتعريف كما هو.

[email protected]