الخطوط السعودية.. معالم على الطريق

TT

كانت الخطوط السعودية في حياتنا الاجتماعية حتى عهد قريب أكثر من شركة طيران، كانت مركزا من مراكز التنوير في المجتمع السعودي، وأعرف عددا من زملاء الدراسة العاديين، الذين تحولوا بعد التحاقهم بالخطوط السعودية إلى قيادات إدارية وفنية على درجة عالية من الكفاءة، بفضل برامج التدريب المكثفة التي كانت تقدم إليهم في الداخل والخارج، وحولتهم من أشخاص عاديين إلى خبراء في كل ما يتصل بصناعة النقل الجوي. واستطاع هؤلاء أن يجعلوا من الخطوط السعودية واجهة حضارية كبرى في كل مكان تصل إليه رحلاتها على سطح هذا الكوكب، تميزا ورقيا وفخامة.

ولا أبالغ إذا قلت إن الكثير من الدول تنظر إلى شركات النقل الجوي الوطنية نظرة تتجاوز هاجس الربح والخسارة، باعتبارها راية من رايات الوطن التي تسافر إلى كل الدنيا، ولوحة «نيون» حضارية تعكس حالة التقدم والرقي التي بلغتها الدول، وبالتالي فهي تنفق بسخاء على شركاتها من هذا المنطلق، وهي تستحضر الهدف الأسمى والأكبر والأهم، وذلك ما فعلته السعودية تجاه خطوطها عقودا طويلة، وهو ما مكنها من التميز الذي أشرت إليه، لكن الخطوط السعودية اتجهت منذ سنوات إلى تضييق دورها لتكون مجرد شركة طيران، فتقلصت الرعاية الصحية لأسر منسوبيها بإخراج والدي الموظف المتقاعد من الرعاية، وانحسرت فرص الابتعاث عن ذي قبل، وتراجعت مستويات الخدمات. ولا أعتقد أن «رابحة»، وأعني بها الخطوط السعودية، في نفس موقعها السابق الذي كانت عليه قبل نحو عقد ونصف من الآن.

وتواجه الخطوط السعودية اليوم حملة من الانتقادات، شارك في بعضها عدد من أعضاء مجلس الشورى، الذين انتقدوا رفع قيمة التذاكر، وكذلك فرض غرامة على الراكب الذي يتأخر عن الرحلة، وهذان الإجراءان وغيرهما يعكسان الهواجس التي ترتبت على تضييق دور الخطوط لتصبح مجرد شركة طيران، تحكمها جدلية الربح والخسارة. وإذا نظرنا إلى الخطوط بهذا المعيار فإن الخطوط السعودية قد تكسب ماديا، أو قد تقلل خسارتها في هذا المجال، لكن على حساب مكاسب وطنية أخرى أهم وأعظم.

وإن كان من الإنصاف القول إن تطبيق غرامة على الراكب الذي يتخلف عن الرحلة دون إلغاء لتأكيد الحجز أمر مقبول، ولم تبتدعه الخطوط السعودية، فثمة شركات أخرى تطبق نفس الأسلوب لتقليص عدد المقاعد الشاغرة، وتخفيف إرباكات برامج الحجز، ومنح المزيد من الفرص للمسافرين الآخرين.

ثقتي كبيرة في أن تستعيد الخطوط السعودية مكانها ومكانتها كمؤسسة لها إسهاماتها الكبرى في تنمية المجتمع، وأن تظل تحمل نفس الرسالة الحضارية إلى عيون العالم عن واقعنا، ومستويات التقدم التي نعيشها في مختلف مناحي الحياة، وألا تشغلها قضايا الخصخصة عن التزاماتها بأن تكون إحدى واجهاتنا المشرقة على الدوام.

[email protected]