فهذا ما هو حاصل

TT

يستطيع المرء أن يبني على ما تقوله «المصادر المطلعة» أو «مصدر رفض ذكر اسمه»، أو أن يبني على ما يراه رؤية العين وما يسمعه سمع أذنه. وفي المدرسة الصحافية التي أنتمي إليها منذ حوالي نصف قرن، لا أهمية للمصادر المطلعة ولا اعتبار لمصدر لا يملك شجاعة التصريح باسمه. دعونا نبني، إذن، على ما هو واضح. والواضح أنه، منذ غزة، لم يتوقف العالم العربي عن التجاذب ولا عن التصدع. وبدل أن يكون مسرح التجاذب الكبير دولة مشرقية، كمصر أو سورية أو حتى عراق الماضي، فإن الساحة الآن هي الخليج: من قمة قطر التي ما صارت، إلى قمة الكويت التي فوجئت بخطوة الملك عبد الله بن عبد العزيز وتجاوزه لكل الخلافات، إلى مؤتمر وزراء الخارجية في أبوظبي. كانت مؤتمرات وقمم العرب منذ 1948 تدور حول القضية الفلسطينية وإسرائيل. أو حول القضية الفلسطينية وأميركا. أو حول القضية والعرب. وللمرة الأولى كل ما نشهده هو حول القضية والفلسطينيين. وفيما ينقسم العرب حول الانقسام الفلسطيني، يظهر السيد خالد مشعل في طهران، مندفعاً لاحتضان السيد محمود أحمدي نجاد، الذي يتقدم من مقعده ثلاث خطوات، على طريقة البروتوكول الرسمي وليس الحماس الثوري. العادات الإمبراطورية لا تتغير بسهولة. مؤتمر أبوظبي أكثر وضوحاً من اللقاءات الأخرى: الشرعية العربية مع الشرعية الفلسطينية بالاسم، وضد كل تدخل غير عربي ولو بالإشارة. وإذا كان باراك أوباما - ومبعوثه - يريد معرفة حقائق المنطقة، فالشرعية على هذا الجانب. أيضاً بمن حضر. وفيما يختم لقاء أبوظبي بقراراته، تأتي تركيا برئيسيها إلى الرياض، في قمة تستمر ثلاثة أيام.

وزير خارجية قطر ليس في أبوظبي بل في باريس، يمتدح أمام الإليزيه مبادرة خادم الحرمين الشريفين. وليست المرة الأولى. لكن دول الخليج التي حضرت قمة الرياض التي سبقت قمة الكويت، لم تحضر كلها مؤتمر أبوظبي الذي تمثلت فيه دول مجلس التعاون بالسعودية والبحرين والدولة المضيفة. وأتذكر هنا ما قاله لي مرة الوزير عبد العزيز الرواس الذي وقف فجأة من خلف مكتبه ونظر عبر النافذة قائلاً: «لا أستطيع أن أتجاهل أن إيران تبعد عني 25 كيلومتراً». وقد كانت عمان، في أي حال، آخر دولة عربية تستقبل سفيراً لمنظمة التحرير. كما كانت أول دولة عربية ترى جدوى في اتفاق كامب ديفيد. ولا بدَّ من الملاحظة أن وزير خارجيتها الدائم كان يقوم بزيارة دمشق خلال مؤتمر أبوظبي، مطلقاً منها الدعوة إلى حكومة وحدة وطنية في فلسطين.

هذه مجرد ملاحظات على مشهد مرئي، وأترك التحليل «للمصادر المطلعة» لعلها تقرأ طالع الأمة بعدما أعلن مسؤول إيراني أن القضية الفلسطينية «فقدت بُعدها العربي». على رسلك يا رجل.