هل هي مجاملة؟!

TT

لم تعد لهذه المجاملات معناها الحقيقي.. ففي الأيام الأخيرة ذهبت لتقديم العزاء، وجلسنا نتكلم في أي شيء آخر إلا هذه المناسبة.. بل ان الضحك كان يتعالي على صوت قارئ القرآن الكريم.

ونسأل: ولماذا جاء الناس حقيقة؟

والجواب: إنهم جاءوا لمجاملة صديق..

وانتهت هذه المجاملة بمصافحته والجلوس إليه بعض الوقت والانصراف.. مع أن المعني هو أن نواسي أهل الفقيد.. وأهم من ذلك أن يستشعر الإنسان - بعض الوقت - معنى هذه الحياة.. وأنها وأنه، ذاهبان إلى الناحية الأخرى. لعل هذا المعني أن يخفض درجة حرارة الطمع والجشع والقلق على نصيبنا من هذه الدنيا.

وفى إحدى المرات سألني جاري: من هو المتوفي؟ قلت: لا أعرفه!!

قال: وأنت أيضا لا تعرفه؟

ومعنى ذلك أننا جئنا للمواساة فقط.. وليس من الضروري أن تعرف من الذي ذهب وكيف؟

والذي ينساه الناس عادة أن المواساة ليست هي الأهم من متاعبه اليومية.. وأن ينظر إلى هذه النهاية.

وكلمة «النهاية» يكرهها الإنسان ولا يحب أن يذكرها أو يذكره بها أحد. لأنه يجب أن يمضي كما هو.. أي على النحو الذي اعتاد عليه دون أن يحوله أحد عن ذلك لأي سبب..

ولكن أجدادنا القدامى كانوا يطيلون الجلوس والسكوت.. وكان الصمت موعظة.. وكان التأمل نوعا من المراجعة والتصحيح لسلوكنا وأفكارنا..

أما في عصرنا الحديث فليس عند أحد وقت لكي يتوقف. وإذا توقف أن يسكت.. وإذا سكت أن يتأمل.. وإذا تأمل أن يهتدي.. وإذا اهتدى إلى معنى هو أن يريح رأسه بعض الوقت ليصبح قادرا على الاستمرار بعد ذلك..

ومن وسائل الراحة أن ينظر الإنسان إلى الوراء قليلا.. والى الأمام قليلا جدا.. ليعرف موقفه من هذا الطريق الذي أوله غير معروف وآخره غير معروف أيضا..