لو صدق أوباما.. كيف يتعامل مع عالم إسلامي هذه حاله؟

TT

لا فرق بين باراك أوباما وجورج بوش، إذا ظل الأول على ذات نهج الثاني مع تحوير في أسلوب الإخراج، أو بإضافة طلاء تجميلي فحسب!.. إذا تورط أوباما في هذه الطريق، فإنه يكون قد حطم (الحلم) الجميل الذي تحدث هو عنه كثيرا، كما تحدث عنه آخرون: من السود والبيض الأمريكيين عبر أكثر من قرنين.. ويكون ـ كذلك ـ قد خيب آمال ناخبيه الذين صوتوا له ـ في الغالب ـ لأجل (التغيير و التجديد)، والتحرر الواضح من نهج بوش وإرثه الذميم. ويكون ـ من جهة ثالثة ـ قد صدم المتفائلين بمجيئه من شرائح الرأي العام العالمي.. ولقد كتبنا نقول ـ بعد فوز أوباما برئاسة الجمهورية الأمريكية ـ: «لئن نزع أوباما منزع التغيير والتجديد والتنفس في مناخ أفضل لبلده وللعالم، فإن أمامه فرصة (نسبية) في هذا الاتجاه.. ومن مرجحات هذه الفرصة: الشعبية الكبيرة جدا التي يحظى بها في داخل أمريكا، وهي شعبية تمثل له سندا قويا في تحقيق برنامج (إنقاذ أمريكا) و (التطبيع مع العالم).. (هذه العناوين من عندنا: كمقترحات من كاتب يحب الخير لأمريكا والعالم).. ومن مرجحات فرصته أيضا: تقبل العالم له واستبشاره به، وهو تقبل عجيب نسبيا، لأن العالم لم ير ـ حتى الآن ـ من أوباما ما يطمئنه إلى سياساته، لكن سبب الاستبشار ـ الغالب ـ هو: الفرحة بزوال من سَبّب لبلده ـ وللعالم ـ آلاما نفسية ومادية فظيعة.

وبمنطق أو قاعدة (التخصيص) بعد (التعميم): ينبغي تقويم اتجاه أوباما نحو العالم الإسلامي.. فقد وضع ـ في خطاب تنصيبه ـ فقرة تخص علاقة أمريكا بالعالم الإسلامي.. وجوهر الفقرة هو: أن سياسة أوباما نحو العالم الإسلامي ترتكز على ركيزتين أساسيتين هما: ركيزة تبادل الاحترام.. وركيزة تبادل المصالح... ومن العقل: أن يولي أوباما العلاقة مع العالم الإسلامي أهمية خاصة وكبرى، ذلك أن سلفه المشحون يإيدلوجيا التعصب الديني قد قوض ـ بجنون كامل ـ علاقة أمريكا بالعالم الإسلامي، أي تسبب في تعبئة خمس سكان الكوكب ضد بلاده. ومما لا ريب فيه: أن أكثر الساسة حمقا هو الذي يتمتع بـ (عبقرية تكثير الأعداء وتقليل الأصدقاء).. فلم تكد أحداث 11 سبتمبر تقع حتى سارع بوش وجماعته المتعصبون الملتهبون بالإيدلوجيا إلى تحوير هذا الحدث إلى (حرب عالمية) على الإسلام ذاته.. ومن تمام الموضوعية والحياد ـ ها هنا ـ: الإصغاء إلى شهادات أمريكية واضحة وقاطعة.. يقول الجنرال الأمريكي ويسلي كلارك ـ الذي شغل منصب القائد العام العسكري لحلف شمال الأطلسي ـ يقول ـ في كتابه: زمن القيادة: من أجل الواجب والشرف والوطن ـ: «وضعت إدارة الرئيس بوش استراتيجية عسكرية منذ بداية توليها السلطة عام 2000 تتضمن شن حروب ضد سبع دول في الشرق الأوسط، وذلك لتغيير الأنظمة القائمة فيها بالقوة العسكرية، ولم يكن غزو العراق إلا خطوة على طريق تنفيذ تلك الاستراتيجية التي وضعها المحافظون الجدد بعد سيطرتهم على الدوائر المهمة لصنع القرار في البنتاجون ومجلس الأمن القومي والبيت الأبيض.. لقد التقيت بول ولوفتز عام 1991 وقال لي في ذلك اللقاء: «نحن لم نتعلم شيئا على قدر كبير من الأهمية، وهو أن بعد نهاية الحرب الباردة يمكننا استخدام القوة العسكرية دون عواقب، لأن السوفييت لن يأتوا لمنعنا.. إن أمامنا خمس أو عشر سنوات لتنظيف منطقة الشرق الأوسط من الأنظمة البالية، وذلك قبل أن تظهر قوة عظمى جديدة تتحدانا».. ومن هذه الشهادات الأمريكية الواضحة القاطعة ـ عن تحوير أحداث سبتمبر في صورة حرب عالمية على الإسلام ـ شهادة الكاتب الأمريكي راي جريفين، فقد ألف كتابا بعنوان (العقيدة المسيحية في أحداث 11 سبتمبر).. ومما قاله في كتابه هذا: «إن أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 افتعلت من قبل مجموعة المحافظين الجدد في الإدارة الأمريكية لتحقيق طموحات هذه المجموعة في السيطرة على منطقة الشرق الأوسط وتحطيم الدول العربية الكبيرة خدمة للاستراتيجية الإسرائيلية».. ومن الواضح الثابت: أن أحداث 11 سبتمبر حورت ـ دافعا ومسارا وهدفا ـ للنيل من العالم الإسلامي وشن حرب على الإسلام ذاته.. وللتدليل على المفهوم الأخير (الحرب العالمية على الإسلام) يمكن أن نستعيد ما قاله هؤلاء ـ على سبيل المثال: «من أجل ردع الإرهاب الإسلامي يجب علينا قصف أماكنهم المقدسة في مكة والمدينة بالأسلحة النووية»ـ توم تنكريدو مرشح جمهوري للرئاسة عام 2008.. «إنني أحذر من شبح إسلامي هائل يخيم على العالم ويهدده»ـ السناتور الأمريكي تشارلز شومر.

الحقيقة المستخلصة من ذلك كله: أن أحداث 11 سبتمبر حورت لتصبح منطلقا ووقودا لحرب عالمية على الإسلام.. وبدهي وطبعي أن يفجع العالم الإسلامي بذلك، وأن تتشوه صورة أمريكا في عينيه كلتيهما.. إن هذا الإرث البوشي الثقيل الكريه يتطلب من أوباما أن يزيحه بلا تردد، وأدنى مصداقية في هذا الاتجاه تتمثل في البداية الجادة الصادقة.

ونتصور أن هذه البداية الصحيحية على مستويين:

أولا: المستوى الأول هو: الموقف من الإسلام ذاته بحسبانه دينا سماويا، فهو ـ بهذا المفهوم ـ لا يحمل أخطاء أتباعه المسلمين. وهذه قاعدة عامة يتوجب إعمالها لإثبات براءة الأديان كلها من أخطاء أتباعها، إذ لو هدمت هذه القاعدة لحملت المسيحية ذاتها خطايا هتلر وموسوليني والاستعمار الغربي وخطايا جورج بوش في سجن أبو غريب وغيره، فقادة هذه الأعمال الخاطئة هم مسيحيون.. وثمة إلزام دستوري أمريكي بعدم معاداة الإسلام. فقد نص التعديل الأول من الدستور الأمريكي على أن الدولة الأمريكية لا تتبنـى دينا ولا تعادي دينا.. ثم إن الإسلام لا يعادي الأمة الأمريكية لأنه بوجه عام مطلق لا يعادي أمة من الأمم.. وكيف يعادي الإسلام الأمم وهو ما نزل إلا لرحمة هذه الأمم وتنويرها والمساواة بين أجناسها. وما نزل إلا لخيرها وتقدمها وسعادتها.

ثانيا: المستوى الثاني هو: المسلمون أو العالم الإسلامي. ويتوجب التفصيل في هذا المستوى من حيث إنه مركب غير بسيط، و معقد غير يسير. فلو صدق أوباما في توجهه المتوازن نحو العالم الإسلامي، فمع من يتعامل؟.. إن العالم الإسلامي مصطلح ينتظم (نقائض) مزعجة ومحرجة. فهذا العالم ليس (عالما واحدا) في حقيقة الأمر.. ولنضرب الأمثال.. فهناك في الشأن الفلسطيني:

انقسامات فلسطينية حادة.. وعلى صعيد العالم العربي ثمة انقسامات مثلها أو أشد منها.. وفي سياق آخر: فكري وحضاري، فإن المسلمين ليسوا سواء.. فمنهم من يؤمن بالإسلام: دينا ودولة.. ومنهم من يتبنى العلمانية على مستوى الدولة.. ومنهم من يفقد (الرؤية الاستراتيجية الواضحة) على المستوى الوطني والإقليمي والعالمي.. ومنهم يدعو إلى احترام الذات والهوية في التعامل مع الغرب، ومنهم من يدعو إلى (الذوبان) في الغرب.. «ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون» ولئلا يذوب توجه أوباما في التعامل مع العالم الإسلامي وفق مبدئي: تبادل الاحترام وتبادل المصالح، فإن الحل والمخرج يكمن في (ثبات معايير التعامل ووضوحها) في كل الأحوال.. وهذه المعايير هي:

أ‌- العدل

ب‌- الحق

ففي كل الأحوال ينبغي أن تعامل أمريكا المسلمين بموجب هذين المعيارين.. فهذان المعياران (إنسانيان) في المقام الأول، ولما كان المسلمون ناسا من الناس، فمن حقهم التمتع بما يوجبه هذان المعياران من حق وعدل.. يضم إلى ذلك: أن هذين المعيارين يطبقان في كل الأحوال: بغض النظر عن وحدة المسلمين واختلافهم، وعن تقدمهم أو تخلفهم.

إن خلاف الفلسطينيين لا يجوز ـ قط ـ أن يكون سببا أو ذريعة في هضم حقوقهم ونصرة باطل الإسرائيليين.. فقبيل الاستقلال الأمريكي كان الأمريكيون مختلفين إلى درجة الشقاق.. ولم يقل أحد ـ بمنطق الحق والعدل ـ إن الأمريكيين ما داموا مختلفين، فإنه يجب أن يحرموا من (الاستقلال) الحق عن التاج أو الاستعمار البريطاني.

وكلمة أخيرة للمسلمين أنفسهم: كفوا عن العبث والكذب والخزي والشقاق والنفاق، حتى يتسنى لأوباما وغيره أن يعاملكم باحترام: معنوي ومادي..