لا نتمنى فوز خاتمي بالرئاسة

TT

هناك شعور بالحماس والفرح القلق منذ أن أعلن الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي رغبته في خوض الانتخابات الإيرانية. في نظر الكثيرين يمثل خاتمي نموذج السياسي الإيراني المعتدل المحب للسلام، بعد سلسلة طويلة من القيادات الإيرانية الراغبة في المواجهات. وهو تصور صحيح رغم هذا، فالرهان على خاتمي في حد ذاته أمر خاطئ، ليس بسبب الزعيم الإصلاحي نفسه، بل بسبب النظام الإيراني. فالنظام مركب بطريقة لا تسمح للرئيس المنتخب، مثل خاتمي الذى ينتمي إلى تيار سياسي شعبي كبير لكنه ضعيف السلطات، أن يدير السياسة الإيرانية العليا بما يراه مناسبا، والدليل تجربته الرئاسية الماضية التي منيت بتراجعات خطيرة إلى درجة الإهانة من قبل الأطراف المتطرفة في داخل النظام، فقد بلغت بها الأمور درجة إغلاق صحف ومجلات محسوبة عليه، ومنعت مرشحين من تياره، ولاحقت موظفين محسوبين عليه، حتى همش وخرج من الرئاسة دون أن يحقق شيئا مهمّا مما وعد به الشعب الإيراني، والتي على أساسها انتخبه.

بالنسبة لشخصية مثل الرئيس الحالي أحمدي نجاد فإنه ينتمي فعليا إلى النظام الحاكم، ينتمي إلى الحرس الثوري الذي صار أكثر قوة من أي وقت مضى، وأكثر تدخلا في الشأن الداخلي والخارجي، كما أنه أقرب إلى الرئيس الحقيقي الذي يملك صلاحيات مطلقة، أي المرشد الأعلى السيد علي خامنئي، وبالتالي فبقاء نجاد رئيسا أفضل من انتظار مقدم رئيس مثل خاتمي.

والانتخابات الإيرانية في حد ذاتها ليست كما يحمل عنوانها، انتخابات حقيقية، بل مطرزة وفق حاجات النظام الأصولي الذي يمنع من هم خارجه من الترشح، وبلغ من التشدد أنه ضيق دوائر المرشحين فمنع ألفَي مرشح للانتخابات المقبلة، المتنافسين على مقاعد البرلمان رغم أنهم إسلاميون، منعهم لأنهم إصلاحيون مشابهون لخاتمي. وهي انتخابات محاصرة حيث لا يسمح للمرشحين الدخول في محاورات، ويمنع عليهم الإعلان التلفزيوني، وهكذا.

ومع أننا نقدر مواقف وآراء الاصلاحيين، مثل خاتمي، بروحهم الليبرالية التي يمكن التفاهم معها بواقعية حول كل القضايا، بما فيها الصعبة مثل الملف النووي والوجود الأجنبي والعلاقات الدبلوماسية المتوترة، وحتى عند الخلاف فإن التعايش مع نظام يرأسه خاتمي ممكن بأقل درجات الشك، بخلاف غيره من القيادات المتشددة. والثقة هي محل الإشكال الرئيسي بيننا وبين الإيرانيين، فهم يتحدثون عن تطوير الطاقة النووية بدعوى أنها للاستخدام السلمي، في حين أن كل المؤشرات تؤكد أنها صناعة لأغراض عسكرية. وعندما نرى ما تفعله إيران سياسيا وعسكريا في منطقتنا لا نملك سوى صورة قاتمة.

ومع أن الخيار الأفضل هو الإسلاميون الإصلاحيون، إلا أن وصولهم إلى سدة الرئاسة في انتخابات الربيع المقبل - لو حدث - لن يفرحنا كثيرا، لأنهم حمائم بلا أجنحة. وإذا كان لا بد أن يتم اتفاق، أو لا يتم، فليكن مع أصحاب الحكم الحقيقيين.

[email protected]